رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

البطة شيماء .. طوفان جديد يروج لقبح المهرجات !

سوستة في جعير مقزز ينادي على شيماء

كتب : محمد حبوشة

من يتأمل واقع الحياة الفنية فى مصر يكتشف أنها فقدت الكثير من سحرها وبريقها الخاص، فلم تعد السينما غذاء العقل ولا الدراما تعبر عن الواقع المعاش، ولم يعد المغنى حياة الروح، بل المدهش أن تدهور حال الغناء جاء في أعقاب انتشار نوعية جديدة من الأغانى تسمى (أغانى المهرجانات)، وهى أغان تدخل فى تصنيف الأغانى الشعبية بشكل تعسفي، ويقدمها مطربون حققوا شهرة سريعة على الساحة الفنية، رغم عدم امتلاكهم لمؤهلات المطربين، سواء فى الموهبة أو مساحة الصوت أو حتى الشكل، وأسماؤهم كلها مستعارة مثل (حمو بيكا وشاكوش وكزبرة وشطة، وآخرهم سوستة) وغيرهم من أسماء لاترقى إلى مستوى الفن المصري العريق.

هذا الشكل الموسيقى جديد على الجمهور المصرى، ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه حقق نجاحا كبيرا ليس فى مصر فقط وإنما على مستوى الوطن العربى، بل وأوروبا أيضا، لأنه لون غنائى جديد، وهؤلاء المؤدون أصبح الإقبال عليهم فى الأفراح والحفلات بشكل أساسى، رغم أن مؤدي المهرجانات (مسجلين خطر) وليسوا مسجلين بالنقابة كما أنه ليس لهم أى علاقة بنقابة الموسيقيين، وربما بعضهم مسجل بالنقابة كـ (دى جى) وليس كمطرب، وإذا كنا نريد حماية الغناء من التشويه وحماية الذوق العام فيجب علينا أن نطالب بقانون يجرم كل إنسان يقدم أعمالا رديئة أو يشوه تراثنا الغنائى، وخاصة أن قانون اتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية يجرم ممارسة أي عمل يتعلق بالموسيقى بدون عضوية أو تصريح، وإلا أصبح الشخص مهددا بالحبس مدة تصل إلى 3 شهور وغرامة تصل إلى عشرين ألف جنيه، وفقا للمادة الخامسة من القانون المنظم لذلك.

مشهد يؤكد تفاهة ورداءة هذه النوعية من المهرجانات

أصبحنا الآن على المحك بعد أن غدت تلك الأصوات الرديئة تغزو الأذن بكلمات متواضعة وألحان (بدون عنوان)، وياله من تيار كفيل بغسل عقول الشباب ويتغلغل إلى سلوكياتهم وإشاراتهم وإيماءاتهم وتدريجيا يقتل كالسم البطيء البراءة والفكرة النقية عن الفن والغناء، وكان لابد من تدخل عاجل وقرار شجاع من شخصية ذات وزن وتاريخ مثل الفنان هانى شاكر نقيب الموسيقيين لمنع تداول هذه الأقراص المخدرة للوعى والتذوق، والمنع لايعنى حجب هذا اللون المستحدث نهائيا، وإنما إقرار شروط وضوابط لتمرير مثل هذه الأغانى وانتقاء الأفضل منها وما يصلح لنشره وإذاعته.

وما أصدره نقيب الموسيقيين من (قرار صائب) ضد مهازل ومساخر (المهرجانات) يستدعى بالضرورة اللون الشعبى الأصيل من الذاكرة حتى ولو تطلب قدرا من التطوير لمواكبة العصر، والقرار يستهدف العينة الفاسدة واستبدالها بعينة تحتوى على الكلمة واللحن والقيمة وحلاوة الصوت، ومن هنا يتحرك دور الرقابة على المصنفات الفنية وتشكيل لجنة عليا متخصصة من كبار ورواد الغناء لتقييم أى أغنية جديدة وتصحيح بوصلة (المهرجانات)، فالمراد هو تنقية هذه الأجواء لا إلغاؤها، ولمحاربة الابتذال يبدأ الإصلاح بغرس البذرة الصالحة  وفتح الباب فقط لمن يتقن الفن بأصوله ومبادئه ورسالته الأخلاقية!.

لقد بدأت الخطوة الأولى من نقيب الموسيقيين والخطوات الأهم تتوقف على جدية التعاون بين (أمير الغناء العربى) وكتيبة الملحنين العظماء وشرفاء الكلمة الجدد والإعلاميين الشرفاء لوضع آلية علمية ومدروسة لبناء الهرم الرابع وتجديد (عرش الغناء) فلابد من تكثيف حفلات الأوبرا والأماكن الثقافية الراقية وتغذيتها بأوركسترا يعزف موسيقى فصيلة الموهوبين، وتشجيع المدارس والجامعات على إرسال الطلبة إلى هذه الحفلات للاستمتاع بفن الغناء والطرب وتربية عقولهم على إنتاج جيل احترم الكلمة واللحن واكتشاف الصوت، وصولا إلى تنشيط حفلات المسرح المدرسى واكتشاف البراعم الصغيرة وتدريبها على أسس وقواعد سليمة.

وحتما بعد إفساح المجال لعباقرة الماضى وتلاميذهم فى الحاضر سيدرك الجمهور بمختلف طبقاته ودرجات تعليمه وثقافته أهمية وقيمة (المهرجانات) الراقية عندئذ سيتذوق الشباب جمال (منتجات) الكبار ويقبلون على متابعتها وشرائها، وسيرقصون عليها فى أى مناسبة كيفما يشاءون ويصفقون معها وسط أهاليهم دون خجل، وفى نشوة واحترام .. ثم ينصرفون عن (طفيليات) حمو بيكا وشاكوش الرديئة والمغشوشة، حتى ولو كانت (سكر محلى محطوط على كريمة).

معتز عبد الفتاح منتفخ الأوداج وهو مستمت بسماع سوستة
عمرو عبد الحميد يطئن على عودة شيماء من سوستة

الغريب أن هناك من يحاول تثبيط همة وقرار هاني شاكر من بعض الإعلاميين، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر: (معتز عبد الفتاح) عبر برنامجه (تحت الشمس) على قناة الشمس، وعمرو عبد الحميد ببرنامجه (رأي عام) على قناة (ten، فبدلا من تجاهل تلك الظواهر السلبية حتى تموت في أرضها، قاما باستضافة بعض من مؤدي المهرجات (يوسف سوستة) بدعوى ركوبه الترند من خلال مهرجان (البطة شيماء)، أما الذي كان أكثر تقززا فهو (شريف عامر) على قناة mbc عبر برنامجه (يحدث في مصر)، حيث تصدر هو الآخر الترند على تويتر، وسببت الحلقة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي وسط انتقادات طالت الإعلامي اللامع، وتوالت التغريدات المنتقدة للإعلامي شريف عامر بسبب استضافته لسوستة، معتبرين أنها سقطة، خاصة أن الحلقة تأتي وسط استمرار الأزمة بين نقابة المهن الموسيقية ومغني المهرجانات منذ منتصف الشهر الماضي، بعد منع النقابة 19 مطربا للمهرجانات الشعبية من العمل، وسحب تصاريحهم السنوية للغناء؛ بسبب عدم تقنين أوضاعهم بالنقابة خلال الفترة الماضية، وحتى اجتيازهم للاختبارات، وبسبب ما وصفه المطرب هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية، بالحفاظ على الهوية الفنية المصرية.

سوستة لشريف عامر (مش مصدق اني قاعد معاك)!
جانب من الحلقة التي أثارت الجدل والانتقاد الحاد

يأتي هذا للأسف في وقت تحولت فيه البلاد إلى (مهبط) لأغاني (المهرجانات) الأكثر صخبا والأسرع إيقاعا وترتكز على الفقر والعنف والبلطجة والتهميش، ويشكو الوسط الفني بشدة من تحول البلاد إلى (مهبط) لأغاني (المهرجانات) بعد أن كانت تفيض فنا بالألحان والقصائد الشعرية التي عاشت في الوجدان الجمعي للعرب، وفي الوقت الذي أثار انتشار نجوم المهرجانات بكثافة في الحفلات، جملة انتقادات ومخاوف من تدهور مستوى الأغاني المصرية وما يترتب على ذلك من تدني الذوق الموسيقي العام، بلغ حد القرارات الرسمية بالحظر والمنع وامتدت أزمة أغاني المهرجانات إلى البرلمان، حيث أحيلت طلبات إحاطة من نواب إلى لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، بشأن (ظاهرة إفساد الذوق العام والإسفاف والابتذال وتأثير ذلك على المجتمع) – بحسب تقارير محلية – يخرج علينا إعلاميون وصحف ومواقع إلكترونية تنتمي للصحافة القومية والخاصة بالترويج لمهرجان (البطة شيماء)، باعتبارها فتحا جديدا في الأغنية التي تقصد الفكاهة على حد وصف صناعها، حيث قاموا جميعا بفرد مساحات لهؤلاء بالحديث عن حياتهم وطموحاتهم، وكأنهم غزاة جدد جاءو لتعديل مسار الأغنية.

ساءني جدا أن تهتم وسائل الإعلام المختلفة بمهرجان (البطة شيماء) في ظل قرارات صارمة من جانب نقابة الموسيقيين، فبدلا من مساعدة النقيب هاني شاكر، تحولت الفضائيات والصحف والمواقع إلى معول هدم، حيث ذهب بعض هؤلاء الموتورين من إعلامي الغبرة ممن يعملون ضد الدولة إلى تفسير جوانب مهرجان (البطة شيما) على أنه نوع من الفن القادم من رحم الشارع، وأنه صاحبه ذكي ويفكر خارج الصندوق الذي يعيش بداخله، حتى أن بعضهم ذهب بخياله المريض إلى القول: بغض النظر عن (اللبس المقطع والشبشب والحيطان اللي مليانة زيت وزبالة على الأرض) فإن هذا يعبر عن صورة حقيقية لمجتمع موجود بالفعل ويعيش فيها أناس مثل (سوستة)، وهذا  ذكاء منه لأنه لم يقم بالتصوير (في حتة مكنوسة ومرشوشة ماية وملبسش لبس البلياتشو والسلاسل الجنزير زي بيكا وشطة وغيرهم).

بطة سوستة التي ركبت الترند وعقول إعلامي الغبرة

فجأة، اجتاحت (شيماء) مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال أيام قليلة أصبح الجميع يتحدث عنها لتتحول إلى تريند، وتدخل طريق الشهرة على أيدي بعض إعلاميين الجهلاء، و(شيماء) هى أغنية لشاب مصري، حصدت منذ طرحها أكثر من 2 مليون مشاهدة على موقع (يوتيوب)، وأثارت جدلا كبيرا نظرا لفكرتها الغريبة، وتصويرها الأغرب فتناولتها العقول الإعلامية الخربة وأفسحو المجال  للمدعو يوسف سوستة، صاحب الأغنية، ليقول إن أول أغنية سجلها في حياته طرحها منذ 8 أشهر لكنها لم تحقق أي نجاح يذكر، وهو ما دفعه للبحث عن فكرة كوميدية يثير من خلاله الجدل، وجاءت الفكرة على لسان صديقه محمد مختار.

وبلغ حد السفاهة بأن فتح بعض الإعلاميين فاهه، وانتفخت أوداجه وارتسمت على وجهه علامات الذهول لعبقرية هذا المعتوه (سوستة)، حين أشار إلى أنه كتب مهرجان (شيماء) خلال 10 دقائق فقط، ثم وضع له اللحن الذي يتناسب معه، وكشف (سوستة) أن بطلة الأغنية الحقيقية هى (البطة)، ولا يوجد أي فتاة اسمها (شيماء) مقصودة بالأغنية، حسب حديثه الذي أردفه بأنه لا يهتم بالانتقادات التي وجهت إلى الأغنية فالهدف منها الضحك مع الناس، معتبرا أنه حقق النجاح الذي كان يسعى إليه، وفكرتها قائمة على هذا المبدأ، ويعتبر نفسه حقق النجاح في الوصول لهدفه منها.

فى الوقت الذي نرفض فيه تماما البذاءة والجلافة والفظاظة فى الفنون، ليس انطلاقا من موقف أخلاقى وعظى، بل انطلاقا من أن الجلافة والبذاءة تتنافيان مع جوهر الفن وتقوض دوره، ولا حل أمامنا سوى إعلاء شأن الأعمال الفنية الجيدة، وتشجيع عشرات أو مئات المواهب الشابة الحقيقية، ودعمها، لكى تتوافر لنا عملة جيدة تطرد العملة الرديئة، هذا لأنه لا شىء يستطيع مواجهة التدهور والانحطاط الفنى سوى فن آخر عظيم يخاطب عقول وأرواح الناس، في هذا الوقت بالذات يأتي إعلامي – المفروض أن له اسمه – ليقتطع جزء من وقت البرنامج بمضمون فارغ يدعم القبح واللامنطق، وذلك بهدف عمل حلقة لها (رد فعل)، حتي ولو كان رد الفعل هذا يعود علي صاحبه بالهجوم والسباب .. المهم أنه يحقق أعلى المشاهدات!

ألا يدرك هذا الإعلامي المغفل أو ذاك الصحفي التافه الذي يطارد أصحاب الترند أن (عقل) المواطن البسيط في منزله يعاني من اللاوعي والخواء والتفاهة حتي يخرج علينا بمقاطع الفيديو التافهة علي السوشيال ميديا.. حتى أصبحت البرامج تتنافس فيما بينها في تعاطي جرعتها اليومية من (التريند المنحط) الذي يجلب ملايين المشاهدات لـ (واحد بيغني لبطة بشبشب حمام .. ما الرسالة إذن؟!.. لا أريد القول بإن هناك مخطط لتدمير عقل المواطن المصري، ولا أريد أن ألجأ لمصطلحات من قبيل (أن عقل المواطن في غرفة الإنعاش) .. فقط نريد أن نصلح ما أفسده الزمان والإنسان.

ربما تكون الدولة مسؤولة عن تصحيح الوضع وتبني مشروع قومي لتطهير الإعلام من المضامين المشوهة اللي تفرض على الناس في بيوتهم .. وتنقية وجوه – ليست إعلامية – تطل علينا من الشاشات (غلط في وقت غلط بحسابات غلط!)، لكننا في الوقت ذاته بحاجة لمشروع قومي لتطهير الفن لا يقل أهمية عن المشروع القومي للطرق ومشروع حياة كريمة، يدعم قرارات هاني شاكر، ويشدد الرقابة على منع غير المطربين من الظهور إعلاميا وفي الحفلات.. وفوق هذا وذاك إنقاذ المسامع من الكلمات والحركات والإشارات الإباحية التي تحتويها لأن حماية الذوق العام مسؤولية الدولة أولا، ومسؤولية مجتمعية الكل مسؤول عنها، للأسف هناك إعلاميون يعملون ضد الدولة، في وقت فيه مسجلين خطر يعنون في الداخل والخارج  ضد مصر وتوجهاتها وخططها في تنمية البشر والحجر.. لذا لابد من وقفة جريئة لتطهير الإعلام من تلك الوجوه الكريهة التي تسيئ لجهود الدولة وتضرب في عضدها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.