للآباء أيضاً عقوقهم !
بقلم : محمود حسونة
في حياة كل منا أب، يمثل له الحماية من مصائب الدنيا وتجاوزات الناس، الأمان المادي والمعنوي، السند في كل الأوقات، العطاء بلا حدود، الحكمة قولاً وسلوكاً، القرار الصائب، الشدة وقت اللزوم، الحسم عند التردد، والمعلم الدائم. وهو مع الأم يشكلان لكل ابن وابنة الحصن الحصين، ونبع الحنان والدفء، والمركز والأطراف، والثقة التي ليس لها حدود، والمرجع الأوحد وقت الحيرة والخوف والعجز، والمتباهي وقت النجاح والتفوق والتفرد.
لكل منا أب، تعجز اللغة أحياناً عن سرد خصاله وحصر تضحياته، ونعجز نحن عن تقديره المستحق مهما كنا بارين بالوالدين، وبعد أن نشب ويشيب نعجز عن رد أقل القليل من أكثر الكثير الذي قدمه عبر مراحلنا العمرية المختلفة، وكلما تقدم الوالدان في العمر كلما ازدادا لمعاناً في أعين أبنائهم البررة، ولو فارقا الحياة تمكنا من الوجدان وازدادا لمعاناً في الأعين وفاق اشتياقنا لهما كل مراحل الشوق حين كانا على قيد الحياة، ليعيشا معنا في كل تفاصيل حياتنا رغم أنهما في عالم آخر.
لأن لكل قاعدة استثناء، فإن أقل القليل من الآباء على عكس هذه الصورة، فهناك من يتخلون عن أبنائهم من أجل نزواتهم أو عقاباً لزوجاتهم بعد الطلاق، وهناك من يدفعون بأولادهم صغاراً إلى سوق العمل ويحرمونهم من حق التعليم وغيره من حقوقهم الكثيرة، وهناك أشكال وألوان من الآباء الذين لا يقلون عن الأبناء الضالين عقوقاً. وليت الآباء العاقين يتخلون عن أبنائهم وبناتهم أطفالاً وينسونهم كباراً، ولكنهم للأسف بمجرد أن يحقق الابن أو البنت نجاحاً يذكر، يهرولون إليهم مادين لهم يد الابتزاز والاستفزاز، ولو أن هذا الابن أو تلك البنت فتح الله له أبواب النجاح والثراء، وقفت هذه النوعية من الآباء تطلب بلا حدود، بل وتهدد بفضح ماضيهم والكشف عن مستورهم وتشويه صورتهم، والادعاء عليهم بأنهم أبناء عاقين ناكرين للجميل.
العام الماضي لم يترك والد المغنية الشعبية بوسي باباً إلا وطرقه للنيل منها وتشويه صورتها، اشتكاها لنقيب الموسيقيين هاني شاكر، وكأن للنقيب سلطة على الحياة الشخصية لأعضاء نقابته، وعندما تجاهله هاني شاكر طرق أبواب الإعلام، ولأن بعض إعلامنا لا يبحث سوى عن كل مثير بصرف النظر عن عواقبه، فتح له بعض الإعلاميين أبوابهم ومنحوه ما لم يتخيل أنه يمكن أن يحصل عليه من المساحات الزمنية والورقية والالكترونية، ليقول ما يشاء، متجاوزاً على الصورة المجتمعية والقيمية والدينية للأب، مشوهاً صورته قبل صورة ابنته، ومتحولاً من ساتر إلى فاضح ومفضوح.
ولأن الحقيقة يمكن أن تتوارى بعض الوقت ولكنها لا يمكن أن تختفي كل الوقت، فقد اتضح أن الوالد تخلى عن ابنته طفلة ورغم ذلك عاونته بعد أن ضحكت لها الدنيا، ولكنه يريد المزيد والمزيد، بصرف النظر عن ظروفها الحياتية ومشاكلها الشخصية.
وإذا التمسنا العذر لوالد بوسي باعتباره رجل محدود غير متعلم، فلماذا نفسر ما فعله الدكتور أشرف صبري والد ياسمين صبري مؤخراً، حيث أطل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإعلامية مشوهاً لصورته ثم لصورة ابنته، ومتهماً إياها بالجحود نتيجة عدم حضورها زفاف شقيقها، بجانب العديد من التهم التي لا نحب ذكرها، معلناً أنه هو الذي ربى بعد أن تخلت الأم وسافرت، ولم يلق سوى الجحود والنكران. ووصل الأمر بالأب إلى نشر صور شخصية لابنته مع زوجها الأول محاولاً خلق فتنة في حياتها الزوجية اليوم، متأملاً أن ينال ذلك من صورتها الجماهيرية، وهو السلوك الذي كان يمكن أن يسلكه زوج سابق ولا يمكن أن يسلكه والد، مهما كانت خلافاته مع ابنته.
ياسمين ردت على والدها نافية معلنة أن جدتها وجدها لوالدتها هما من قاما بتربيتها نتيجة سفر الأم للعمل بالخارج وتوفير النفقات.
لسنا في وارد البحث عن الصادق والكاذب في روايتي كل من بوسي ووالدها وياسمين ووالدها، ولا من ينحازون للفنانتين أو للوالدين، ولكننا فقط في حالة استغراب لسعي أب لهدم ابنته والنيل منها على الملأ والقذف في حقها أمام ملايين البشر، فالأب عرفناه ساتراً لعيوب أبنائه وحكيماً معهم عندما يخطؤون، ومدافعاً شرساً عنهم إذا تجاوز في حقهم أحد، ومعلماً لهم كل قيم الحق والعرفان والمحبة والخير والعطاء بلا حساب.
هذا الكلام ليس دفاعاً عن ياسمين ولا عن بوسي، ولو تكلمنا عن كل منهما فنياً فعلى كل واحدة منهما أكثر مما لها، ولكن هذا ليس مجالنا، إنما ما يعنينا هو تشويه صورة الأب على الملأ، ومن قبل آباء بأنفسهم، فالأبوة واجبات قبل أن تكون حقوقاً، والأب الذي يتخلى عن أبنائه صغاراً لا ينبغي أن ينتظر منهم الحب ولا العطف ولا العطاء كباراً، وما يزرعه الإنسان لا يحصد سوى ثماره.