رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(عروستي) .. لايت كوميدي ممتع لـ (أحمد حاتم وجميلة عوض)

شريف يوجه كلمات قاسي لدليلة بعد اكتشاف خديعتها

كتب : محمد حبوشة

الخيال هو أول الخطوات التي نخطوها في مفهوم الإضحاك، وكثير من خبراء الدراما  يطلقون على هذا الخيال اسم (ماذا لو) إذ أن هاتين الكلمتين هما أهم ما تنطوي عليه القدرة الإبداعية في انتاج عمل فني لافت للانتباه، فضلا عن أنهما تشكلان أهم الحوافز التي يحتاج إليها كاتب الإضحاك كي يبدأ عمله، يقول (جورج سكايلابا): (إن الخيال هو الذكاء المشوب بالفكاهة والظرف) وهنا يقصد خيال الكتابة للأفلام السينمائية خاصة منها الكوميدية أو(اللايت كوميدي) المصنوع بحس اجتماعي، وكلما كان الخيال في موضوع الفيلم مختلفا وغير نمطي أومكرر كان جذابا للجمهور بصورة كبيرة، خاصة إذا كان يبعث على الضحك مطعما بحس اجتماعي.

ذلك هو اللون الذي افتقدناه لفترة طويلة في السينما المصرية، وهو ما يريد المشاهدين أن يروه في عمل فني مختلف بعيدا عن التيمات المكررة في السينما، ويمكن تحقيق ذلك وتعويضه في الفن السابع في ظل ما يعرض حاليا من أفلام، لذلك يمكن أن نقدم موضوعات مختلفة وغير تقليدية تناقش قضايا اجتماعية مختلفة تهم الجمهور حتى لو كانت في قالب كوميدي خفيف، تماما كما هو موجود في فيلم (عروستي)، ومن أجل تحقيق هذا الهدف يأتي هذا الفيلم بطريقة سرد مختلفة تماما، حيث كان يتشاجر أبطال العمل منذ المشاهد الأولى بشكل كوميدي يحمل المفارقة والموقف الطريفة، وربما كان ذلك سببا جوهريا في تحقيق أكبر نسب مشاهدة، فلقد لجأ صناع الفيلم إلى تحريره من القالب العائلي منذ سنوات، بعدما أصبح يشاهدها فئات مختلفة من الأعمار، وهو ما أدى بالضرورة لوجود نوعية جديدة من الأفلام تعتمد على خلط الكوميدي مع الاجتماعي عبر حوار جذاب وأداء تمثيلي سلس.

أداء ناعم يتسم بالعذوبة والرقي

هذا ما شاهدته ولمسته عن قرب في فيلم (عروستي) الذي لفت أنظار الجمهور من أول مشهد حتى النهاية، حتى أن الجمهور شعر وكأن الـ (94 دقيقة) مرت عليه كطيف ناعم عبر لحظات من الضحك العفوي، وحتى التراجيديا التي غلفت بعض المشاهد التي شهدت أزمة طارئة في علاقة (شريف / أحمد حاتم) مع (دليلة/ جميلة عوض) بفضل خديعة الأخيرة لخطيبها على أثر انعدام الثقة جراء طفولتها المضطربة، حيث يتقابل شريف ودليلة مصادفة ويقع كل منهما في حب الآخر، تقرر الأخيرة بمساعدة صديقتها تطبيق لعبة (عروستي) على شريف حيث من المفترض أن تضعه في العديد من مواقف الاختبار حتى تثبت جدارته بأن يكون زوجا لها، تتنوع تلك الاختبارات بين الاهتمام بالتفاصيل والسند وما إلى ذلك من أفكار مجتمع مراهقي تويتر، عندما يكتشف شريف تلك اللعبة – وبالرغم من معرفته بوجودها من البداية – يغضب بشدة وينفصل على دليلة، وفي محاولات من الجميع لإعادة نهر الحب بين الطرفين مرة أخرى يقررون أن يتآمروا جميعا عليها بلعبة الغيرة حتى تندم على فعلتها، ويتزوج الحبيبان في النهاية ويعيشان في سعادة أبدية وإلخ من النهايات الرومانسية الحالمة.

والحقيقة أنني ومنذ البداية كنت منحازا إلى هذا العمل البسيط في أهدافه ورسائله، وأبطاله من الشباب الصاعد الواعد، فضلا وجود نجمة بحجم (صابرين) التي نجحت بخفة دمها ورشاقتها ووجهها الصبوح المرسوم عليه ابتسامة عذبة ومحبببة إلى القلب طوال الوقت، في أن تمس مشاعرنا جميعا، ومن مشهد إلى آخر كان هؤلاء الأبطال يدفعوننا جميعنا كي نتعاطف مع موضوع الفيلم وشخصياته غير النمطية، وذلك وسط دراما العبث التي تقدم أحيانا ويكون الهدف منها إبراز صورة البطل أو البطلة، فقد قفز بنا هذا الفيلم إلى مناطق أخرى، حيث لم يكن الخط التقليدي المتعارف عليه في السينما بوجه عام هو المحرك الرئيسي للأحداث في سيرها الطبيعي، وما أعنيه هنا تيمة (الخير والشر) المستهلكة في غالبية الأفلام التي تقدم حاليا، ومن سينتصر في النهاية ، أو حتى (الميلودراما) التي اعتدنا عليها في السينما، خاصة أفلام المبدع الكبير (حسن الإمام) على أهميتها في رصد كثير من الظواهر المجتمعية.

انسجام تام بين أحمد حاتم ومروان يونس وجميلة عوض

ولأن الفن التمثيلي هو جوهر هذا الفيلم الذي أراه رائعا على مستوى الـ (لايت كوميدي) على الرغم من اتهامه بالاقتباس من فيلم (Me BeforeYou) ، حيث إنه يعد تجسيدا كامل لواقع شخصية ما بأحاسيسها ومشاعرها وطبيعتها، بسلبياتها وإيجابياتها دونما إفراط ومبالغة أو تفريط وإجحاف في الحس والأداء، ولذا فإن عمل الممثلان (أحمد حاتم، وجميلة عوض) من أكثر الأعمال مشقة وأوفرها مجهودا فكريا وبدنيا بل وحتى نفسيا!، وهو ما تجلى واضحا عندما تجلت قدرتهما على تجسيد شخصيتين هما في رأيي من أصعب شخصيات الفيلم، فقد ظلت (دليلة) طوال الأحداث في موضع الشك هل (شريف) يحبها أم لا؟، ومن هنا كانت حديث السوشيال ميديا بموهبتها في أداء المشاعر المرتبكة في الدراما.

بدأت ملامح شخصية (شريف) بالظهور كنتوءات بسيطة في مخيلة (أحمد حاتم)، ثم سرعان مالبثت أن تكبر شيئا فشيئا حتى تستبين الملامح وتتضح الرؤيا، لذا قام (حاتم) بكل ما أوتي من قدرات إبداعية (وهنا تتجلى الموهبة) بالتجرد من شخصيته الحقيقية وارتداء شخصية أخرى ارتداء كاملا بتناغم وتجانس وانسيابية، فنسى أنه (أحمد) ولا يذكر إلا (شريف) الذي هو بصدد تجسيده، فتتبدل نفسيته وتتغير طبيعته وتختلجه أحاسيس ومشاعر جديدة لرجل آخر (شخصية أخرى)، فانبثق منه ذلك الحس الفطري واقعا حيا، وخرجت منه الكلمات بأسلوب التلاعب بالألفاظ بحس كوميدي بسيط سهل صادق وطبيعي مؤثر دون تصنع أو تكلف، فأبدع وأدى أداء متقنا للشخصية في كل مراحلها وتحولاتها من حالات الاستهتار وعدم الاكتراث إلى حالة من الجدية في تحمل المسئولية، مضافا إلى ذلك شحنة عاطفية تجيش بالأحاسيس المرهفة.

بوستر الفيلم الذي صممه الفنان محمد صالح شحاتة

ربما تكون الصورة الجميلة التي قدمها المخرج المتميز (محمد بكير) كانت نابعة من أن من وضع الرؤية الدرامية للفيلم هو المبدع (مصطفى البربري) الذي نفى تماما صلة فيلمه بالفيلم الأجنبي  (Me Before You)، لكن لأن المخرج أصبح في العصر الحديث حاملا للفكر والوعي والتصور للعمل الدرامي، فإن هذا الأمر هو الذي ساهم إلى حد كبير في خلق هذه الحالة الدرامية، وتلك الروح الرومانسية والأسرية في كل خط من الخطوط الدرامية داخل السياق العام للفيلم، ما جعل حفنة كبيرة من الممثلين قد برعوا في أداء أدوراهم، أذكر منهم من كان لافتا للانتباه على نحو جيد، سواء خط (أحمد حاتم) الذي يخلط الجد بالهزل، أو ذلك الخط المعقد لـ (صابرين/ والدة دليلة) حيث تعاملت  ببساطة شديدة للغاية مع شخصيتي (شريف ودليلة) وبجدية كبيرة كفلت لهما تقديم دويتو درامي ثري جدا.

بدت (جميلة) في شخصية (دليلة) ممثلة ناضجة، متطورة على مستوى الشكل والمضمون، لتؤكد لنا أن فن الممثل أو التمثيل لم يعد يعتمد على الموهبة فقط، إنما هناك الارادة القوية للإنسان الممثل، والتي ترتبط في عملية الابداع الفني وعمل الممثل نفسه ونشاطه الذي يعتمد على الجسد والحركة، بالإضافة إلى جهده والبحث عن ماهو أفضل من خلال عملية الاستعداد والإمكانات التي يتمتع بها والتي تتطور وتنمو عبر مفهوم التدريبات والتمارين المستمرة – للجسد – لاتقان الحركة وما يصاحبها من أفعال وردود أفعال سواء في حالاتها العصبية أو لحظات الانكسار والهزيمة التي منيت بها جراء (فقدها المؤقت لشريف) والتي من خلالها استطاعت أن تبهر المتفرج وتثير أسئلة كثيرة لديه.

أحمد حاتم .. أصبح رقما صعبا في السينما الشبابية

أما (أحمد حاتم) فقد تألق بشكل خاص في هذا الفيلم ليقدم لنا قدراته في التركيز والانتقال في الخيال إلى أماكن بعيدة ليتمم في ذلك عملية التواصل مع عوالمه الخارجية ويجسدها في الحركة والجسد والصوت وتقنياته الأخرى التي اكتسبها بالفطرة، أوربما بالدراسة والموهبة معا ليثبت أن الممثل الجيد هو ذلك الذي يستخدم جسده بشكل مقنع ورائع، ولابد له أيضا أن يكتشف ما هو مجهول من خلال الطبيعة الإنسانية التي يتمتع بها حتى ينمي حركته بشكل جيد، ما يصبح جسم الممثل في هذه الحالة عبارة عن تيار من الاندفاعات التي تتدفق بشكل ساحر، كما رأيناه في أدائه الذي بدا متالقا بوصوله إلى حالات الصدق والإحساس التي تحتوي على إنسانية تشعر بكل ماهو محسوس، ويتم ذلك عبر الدخول في الأعماق الداخلية لشخصية (شريف) وسبر أغوارها .

وشيئا من هذا القبيل نراه في خط المبدعة الكبيرة (صابرين) في أدائها الكوميدي بخليط من التراجيدي الخفيف بحرفية شديدة، وقد برعت في إدارة الصراع الدرامي من خلال الخطوط التابعة لها عبر أداء كوميدي خفيف بطريقة رائعة، وبأسلوب تمثيلي مقنع للغاية، حيث عبرت بصدق عن أوجاع وسعادة لا متناهية للبشر، على نحو يشهد لها بالكفاءة، مما خلف جوا حواريا عندها بين ذات الممثل الساكن خلف القناع وأدائها الذي لعب فيه الكلام و(تون الصوت) دورا جوهريا مدعوما بحركة الأيادي والإيماءات الدالة، هذا ما أكد صفة التلاحم بين الذات والأداء، ما جعلها كممثلة صانعة للحدث ووهم الصورة بقوة الأثر، لذا نجد تمازجا واضحا جدا بين ذاتها كممثلة وأدائها على نحو احترافي.

محمود البزاوي .. محترف من طراز رفيع

وعلى درب الأداء الاحترافي أيضا يأتي الفنان محمود البزاوي بتجسيده لدور أبو (شريف) على نحو رائع بأداء ناعم مطعم بحس كوميدي خفيف، ما يؤكد نضجه كممثل احترف أداء الأدوار الصعبة والمركبة مؤخرا، ليؤكد على موهبة طاغية تحتاج إلى من ينتبه لها في أعمال قادمة، بما يتوفر لديه من أداء فطري، فالإشارة عنده، وعلامات الوجه، وحركات اليدين، والتجهم والتبسم تعد وحدات معجمية في أدائه، يمكن تحليلها من أجل إنتاج المعنى؛ وهو مايثبت أن الاتصال الإنساني (لدى البزاوي) لا يتوقف عند حدود الكلمات المنطوقـة، بل يتجاوزها ليشمل حركات الجسم وأعضائه أو ما يعرف  بـ (لغة الجسد)، فهـذه الأخيرة تشكل عاملا مهما في شخصيته على مستوى عملية التواصل البشري، إن الكلمات ليست كل شيء، ولا تقـول كل شيء، ويجب أن يستكمل المعنى بالحركة التشكيلية الجسدية، كما يأتي دائما في أداء (البزاوي).

ويحسب للمخرج أنه منح الفرصة للفنان (مروان يونس) الذي اعتمد على الكوميديا وحرصه على تقديم شخصية لها زي خاص في الملبس، وفر لها طابعا منحها خصوصية على كل المشاركين في العمل، لأن الجمهور المصري يقبل على الشاب (الفهلوي) الذي لا يفتعل الضحك، وأتاح هذا الدور ليونس الإعلان عن موهبته في التجسيد الكوميدي الحي، فالمساحة التي وفرها له (بكير) ساعدته على الكشف عن قدرات فنية واعدة يمكن استغلالها في أعمال كوميدية قادمة، وهنا نلفت النظر لهذه الموهبة القادمة من نبع صاف ومختلف لم يصبه التلوث الذي ساد عند كثير من نجوم الكوميديا على جناح الافتعال والصخب والضجيج والسماجة التي أصبح يمقتها الجمهور العاشق للكوميدية الهادئة على طريقة (يونس) المبهرة.

مروان يؤنس لعب دوره بحرفية عالية

وعلى الرغم من أن الفيلم اتهم بأنه مأخوذ عن فيلم أجنبي، لكن ودون أية مباشرة وصلت رسالة واضحة للمشاهد، مفادها: أن (التماسك الأسري هو سر سعادة البيت المصري)، ولهذا فقد نجح كل أفراد فريق العمل في توصيل حالة إنسانية، من خلال تجارب أسرية هى موجودة بالضرورة في أي مجتمع، بل نلاحظها داخل أسر مصرية كثيرة، وقد جاءت موسيقى (خالد حماد) معبرة بصدق وواقعية، بحيث أضفت سحرا على مشاهد الفيلم المطعم بجرافيكس مشغول بعناية فائقة طوال الـ 94 دقيقة، وكذلك أغنية (فريق شارموفرز) من كلمات وألحان وتوزيع أحمد بهاء، ما جعلنا نستمتع بكل لحظة تمر علينا عبر كافة مشاهد (عروستي) الذي سجل نوعا من المتعة الحقيقية لجمهور يتوق إلى نوعية أعمال (اللايت كوميدي) بعيدا عن العنف والعشوائية.

ويبقى لي الإشادة بالبوستر الرسمي الذي كان لله نصيبا من الحملة الدعائية للفيلم؛ حيث نال إشادات رواد موقع التواصل الاجتماعي؛ بسبب اختياره للألوان واتساقه مع فكرة الفيلم الشبابية العصرية، من خلال رؤية خاصة  للمصمم ورسام البوستر الفنان محمد صالح شحاتة، والذي جاءت فكرته معبرة عن قصة الفيلم وعلاقة الشخصيات ببعضهم، واعتمد على رسم أوجه وملامح الأشخاص فقط، وقد أوضح في هذا الصدد بأنه: بعد قراءة السيناريو، راودتني فكرة توظيف ورق  (ستيكي نوت –  Sticky notes،  ما يأتي تعبيرا عن الاختبارات التي تقوم بها (دليلة) لـ (شريف)، وهو ما يدركه الثاني برؤيته في مكتبها وسط سياق الأحداث، كما أنه إذا حذف ورقة من بينهم ستعوق ظهور ملامح الوجه كاملة، في إشارة للتساؤل الذي يطرحه الفيلم عما إذا كان البطلان سيتزوجان أم سينفصلان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.