رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إلى خرابات البيوت !!

بقلم : محمد شمروخ

أين نحن من الصوت الإذاعي البديع، السيدة العظيمة المرحومة (صفية المهندس؟!)، تلك التى كانت تقدم كل صباح وجبتها الرائعة المكونة من الحكمة والأمل والتفاؤل بصوت لا ينسى صدقه وجماله ووقعه على الأذن والقلب والعقل، فلم نسمعها تحرض أو تحنق من قريب أو من بعيد، ذلك يوم كان الإعلام فيه يعمل على ترسيخ أسس الأسرة المصرية.

فمنذ فترة ليست بالقصيرة تسيطر قضايا المرأة على الشاشات ومع نوعية هذه القضايا تتماس خطوط كثيرة وتتشابك، على مستويات عديدة، اجتماعية، دينية، سياسية ولكن النتيجة كارثية بكل المقاييس!.

يحدث هذا في شكل جرعات تكثيف يومية نتجرعها ولا نكاد نسيغها، سواء في الإعلام غير المباشر بالبرامج الحوارية أو غير المباشر في الدراما التلفزيونية، فمن منا لم يلاحظ أن نموذج الرجل الخائن الأنانى المريض بكل الأمراض الأخلاقية والنفسية والاجتماعية، صار هو المحور والأساس لكثير من الحوارات البرامجية النسائية أو بالأعمال الدرامية المسائية والنهارية.

ومن خلال هذا وذاك تطل بعض ناشطات حقوق المرأة، كضيفة أو كمحاورة أو كمؤلفة أو كمذيعة أو ما يسمى (خبيرة علاقات زوجية) لتضع كل منهن بصمتها في تسميم الأجواء الأسرية وتسهم في نشر حالة عامة من الكراهية تجاه الرجل تحت تشجيع بعض الجهات غير البريئة ومن خلالها يتم النفاذ لنشر أفكار من شأنها أن تنشئ نظرة عنصرية ضد الرجل، بصفته الظالم الذي يغدر بزوجته ويخونها مع زوجة أخرى أو عشيقة أو متعدد العلاقات (النسائية).

ثم نأتى بعد ذلك ونتساءل ونصرخ من تصاعد حالات الطلاق إلى درجة أقلقت مستويات عليا من أصحاب القرار بسبب ما نتج من تشريد ملايين الأطفال، في مرحلة لم يسبق لها مثيل في تنامي هذه الظاهرة، مع أنها نتيجة طبيعية لكل هذا التحريض الدائم لإيقاع الفتنة ما بين الرجل والمرأة.

ولأنه يتم التحريض على الرجل من جانب بعض شخصيات ليس لهن من دافع إلا أنهن مررن بتجارب مع هذا النموذج البغيض، فظنن أنه يمثل الرجل عامة ومن ثم يطالبن بحزمة تشريعات (نجحن في تحقيق بعضها) فمن خلالها ورد النص القاطع في كتاب الوجود على أن أي زوج هو خائن بطبعة.

ولا أنكر وجود مثل هذا النموذج بل وانتشاره بشكل ملحوظ بين الرجال، بل من الواجب محاربة هذا النموذج وكشف تهافته وفساده الأخلاقى والاجتماعي.

لكن ما بال السيدات من ناشطات حقوق المرأة ينظرن بعين، بينما يغضضن الطرف بالعين الأخرى؟!

فمقابل كل رجل فاسد امرأة فاسدة، فالزوجة الثانية – في حال اعتبار الزواج الثانى نوعا من الخيانة لو كان سريا أو حتى علنيا – هى بالضرورة امرأة، فلماذا اعتبرنا نصف المرأة مجنيا عليها وتجاهلنا النصف الآخر منها، مع أنها الدافع الأساسي والركن المهم في القضية كشريكة للزوج بل ولا تتم (خيانته) إلا بموافقتها ؟!

ولماذا يتم التضييق على الرجل حين يريد الانفصال عن زوجته، بينما يتم فتح المجال رحيبا أمام المرأة من الخلع وحتى الطلاق للضرر وفي كل الأحوال يقع الغرم على الرجل وحده ؟!

ثم إنه لو اعتبرنا قواعد الشريعة الإسلامية لم تعد مناسبة للمرأة العصرية والحياة العصرية، كما هو في زعم البعض، فلما إصرارهم وإصرارهن، على أن يبقى الرجل وحده هو المكلف بالإنفاق على الأسرة ؟!

أما من ناحية العرف، فلماذا المسكن والمهر والشبكة وقائمة الأثاث، مع تكبيله بالمؤخر وإلزامه بالنفقة حتى ينتهى أمره بالدفع أو الحبس ؟!

حسنا فلتلغوا كل القوانين الحالية ولنبدأ من حيث الصفر، وليكن العقد شريعة المتعاقدين في الزواج وفي الانفصال وفي شتى شئون الحياة الأسرية.. هل تقبل المرأة هذا ؟!

هل تقبل أن يتحول زوجها إلى خيال مآته أو يقبع في ركن حياتها مثل ذكر النحل أو العنكبوت، يموت بمجرد أداء مهمته ؟!

أعرف أن هناك نماذج للرجال في غاية السوء، كذلك لابد من أن نقر أن هناك نماذج من النساء في غاية من السوء أيضا.

لكن: هل ليس سوى هذين النموذجين في الواقع المعيشي أو الدرامي أو الإعلامي ؟!

هل نترك السيء ليسير أمور حياتنا  إلى هذه الدرجة ؟!

لكن إن شئنا الصدق مع أنفسنا فلننظر هؤلاء اللائي وقفن ينسبن إلى الرجل كل نقيصة، فأكثرهن تجد أن لهن قصصا مأساوية مع الرجال من أزواجهن.. خيانة.. ضرب.. غدر.. طمع.. انتهازية.. وصولية، فأصبح كثيرات منهن ينظرن إلى الرجل من خلال ما مررن به من تجارب مريرة، فرانت مرارتها على قلوبهن من ثم على قلوب المشاهدين والمشاهدات في البيوت أمام الشاشات، فليس سوى اللعنات تتنزل على رأس كل رجل وليس فقط على كل خائن، لكن لا يكاد أحد ينظر إلى الخائنة التى تتوارى في النص الدرامى وكأنها تنتمى إلى جنس آخر غير جنس الإنسان.

إن كثيرا من (خراب البيوت) وقع نتيجة هذا التحريض اليومى والمغلف في قوالب إنسانية تقطع القلب.

والنتيجة؟!

يرسخ في الخلفيات نموذج الرجل الخائن وما يلبث أن يصير الرجل في ذاته نموذجا مرفوضا فلا نرى فيه إلا السلبية بكل صورها البشعة، وليت الأمر يعجب البعض، فمع المظلومية الدائمة هناك مكاسب دائمة ويكفى أن تدعى أنك مضطهد ليتحقق هذا الاضطهاد، فهذه الكلمة لها السحر في التمويه والتشويه، فما دمت تدعى الاضطهاد، فأنت مضطهد وما دمت تدعى مضطهد، فيجب كسر مضطهديك بأى صورة!.

طريقة ساحرة تم تجربتها في الدراما والواقع، فنجحت بتفوق مذهل، بل هى كذلك في السياسة والاجتماع والاقتصاد وأثمرت عن نتائج مبهرة، فبها صار الحق باطلا والباطل راسخا يفرض شروطه تحت راية هذه المظلومية.

وكم شاهدنا خلال الأيام السابقة عدة أعمال درامية تبدو فيها البطلة الملائكية مظلومة تضحى من أجل الجميع وأولهم زوجها الخائن، وفجأة تنكسر بسببه ولا تجد من يقف بجوارها فتذرف الدموع ووراءها اللعنات على عالم الرجال الذين خلقوا من نار السموم.

ولكن الجميع يتنكر لحقيقة أن الشر المطلق الذي مثلته الدراما عبر نجوم كبار مثل توفيق الدقن ومحمود المليجي وصلاح منصور وعادل أدهم، أوهام لا وجود لها، على الأقل، بمثل هذه الصور الدرامية التى هى من خلق ذهنية مؤلف واحد.

كذلك شخصيات درامية جسدتها أمينة رزق وآمال زايد وفاتن حمامة ومريم فخر الدين وزبيدة ثروت، تبدو ساذجة ولا تتفق مع الواقع، على الأقل المعاصر، فنموذج المرأة المخدوعة المنكسرة، لن تجده في الحقيقة إلا في (سذاجيات الدراما القديمة أو الحالية).

لقد تمازج فينا كشخصيات واقعية الشر بالخير أمام تقلب الحياة وتناقضاتها اليومية الصارخة، فما من ظالم في جانب إلا وتراه مظلوما في جانب آخر وما من مظلوم كذلك إلا وتراه ظالما، أما الخير المطلق والشر المطلق، فمن عمل مؤلفى ومؤلفات الدراما، خاصة عندما يريدون توجيه المشاهد نحو تبنى قضية ما كما نرى في أسوأ أنواع الدعاية التى توقع الفتنة في البيت الصغير الذي تمثله الأسرة تمهيدا لبث تلك الفتنة في البيت الكبير الذي يمثله الوطن.

كانت الدراما تنتصر للبيت المصرى وتصرف عنه شرور ما حاق به بعد زوال جيل صفية المهندس وأخواتها وما قدمنه (إلى ربات البيوت) لتحيط بنا خطيئاتنا وتنقلنا في غفلة من الزمن، إلى عصر (خرابات البيوت).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.