رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

القول الفصل في جدلية وقائع الهدف المنشود لفيلم (ريش) !

العشوائية والقذراة على جناح التعبير عن الواقع المصري المر!

كتب : سعد سلطان

على صفحتيهما كتب المخرج الكبير مجدي أحمد علي والباحث في الحركات الإسلامية هاني عماره رأيهما في فيلم (ريش) فيما يشبه القول الفصل والنهائي في هذا الملف المتصاعد في اشتباكاته الغريبة، وقبل النقل حرفيا لما قالاه فإن الإشارة واجبة أن نيل الفيلم لجوائز عالمية أو محلية لن تعفيه من المساءلة والمناقشة، وأن كثيرا مما قالاه قد تم طرحه في بدايات الأزمة وهو الأمر الذي يفضي إلى صحة ما سبقنا به غيرنا  وإلي النصين الرائعين.

ريش .. عشوائية فنية

أولا يقول  المخرج مجدى أحمد علي: يسلم المشاهد العادي نفسه إلى الشاشة المضيئة في القاعة المظلمة فيتوحد ما مع ما يراه ويتفاعل مع العالم الذي تحدده الشاشة السحرية، وسرعان ما يطوع نفسه على تقبل ما يراه طبقاً لطريقة (الحكى) فهو يقبل الفيلم الذي يتحدث عن الخيال العلمي نفس قبوله للفيلم (الواقعي) أو كافة أشكال الحكى الأخرى ويتمنى إلا يربكه صناع العمل بالخلط بين أشكال الحكى فيفقد صلته بالشاشة ويبدأ في محاولة الفهم من خارجها وبالتالي يفقد علاقته بالفيلم .. ظهور (ساعة يد) بمعصم البطل فيلم تاريخي تقليدي يجعلك تخرج عن إطار المشاهدة تماماً، ولذلك تتميز أفلام الخيال العلمي أو الفانتازيا باختيار شديد الدقة لكافة التفاصيل لكي لا يفقد أبداً مشاهدة الذي يريد أن (يصدق) ما يراه على الشاشة، والصدق هنا صدق فني يخلص لطريقة الحكى ولا يستهين بمشاهدة ولا ينساق وراء عشوائية فنية يخسر بها مشاهده الذي يريد أن يبنى علاقة محترمة مع المبدع مبنية على الثقة والإحترام.

يبدأ الفيلم بمشهد لشخص يبدو أنه يحرق نفسه أمام مصنع شبحي وفي جو غامض ودون أن يقترب منه أحد.. ثم تبدأ تترات الفيلم (ولا يشير الفيلم أبدا إلى هذا الشخص المحترق فيما رأينا من أحداث تالية ويبدوا أنها كانت أحد مشاهد الفيلم أو نهاية أخرى رأى المخرج أن يستهل بها فيلمه لدعم جو الغموض والكآبه) .. نحن أمام عائلة من زوج يعمل في مصنع لا نعرف شيئاً عن طبيعته يقبع مع زوجته وولداه في غرفة جرداء من كل شئ أسمنتية الطابع ليس على جدرانها الصماء حتى صورة من جريدة أو آية قرآنية أو أيقونة مسيحية (هل كل هذا مقدمة للتجريد القادم؟!)، لتنتظر ونرى النافذة المفتوحة يبدو أنها أنشئت أمام فوهة مدخنة جبارة تطلق غازاتها السامة بشكل دائم داخل المنزل المعزول والذي لا نجد حوله أي منازل أخرى لعمال آخرين أو جيران.. تغلق السيدة الشباك فلا نرى طبعاً من الخارج ما سر هذه المدخنة العجيبة..

بطلة الفيلم لا تملك أية مؤهلات تمثيلية فجاء أداؤها باهتا

تقف الزوجة الذليلة أمام الزوج المكافح وهو يفتح صندوقة الصدئ ليعطيها جنيهات قليلة لكي يكون طعامهم (باذنجان) فقط ليومين، نرى الزوجة تقطع الباذنجان وترميه في (طاسة) الزيت بطريقة تفهم منها أنها فعلت هذه العملية قبلا فأي إمرأة شعبية تعرف كيف يقلي الباذنجان وكيف تنشر الملابس خارج المنزل بعد (شطفها) بالماء وليس عصرها (بصابونة) وتعليقها على سلك داخل المنزل البائس.. لماذا تنير هذه التفاصيل التي تبدو تافهه؟!، لأن البسطاء سوف يخرجون فوراً خارج شاشتك أو سوف يتعاملون معك على أنك تسخر منهم أو تحاول إرباكهم بأجواء لا يفهمونها، خاصة أن مثل هذه التفاصيل لا تتوقف، فالزوج الذي تحدث عن (الباذنجان) يعطيها بعد قليل أموالاً أكثر قليلاً (الأموال كلها في الفيلم قديمة وبالية .. ولا يحدث بطريق الصدفة أن تظهر ورقة جديدة.. تجريد طبعاً!!)، ونفهم أن هذه الأموال لتجهيز حفل عيد ميلاد للطفل، حيث تبدأ الأم الكئيبة دون سبب في تعليق البالونات لحفل طفلها.

وتكون المفاجأة الكبرى أن الزوج الفقير الذي يسكن في فوهة مدخنة يأتي لطفلة (بنافورة) كهربائية وجهاز إضاءة شبيه بإضاءة الديسكو وبجاتوهات وسندوتشات لأصدقائه الذين أتوا لحفله العبثي، ولم يكتف بذلك فلكي يمضى الفيلم في طريقة المرسوم يأتي لطفلة (بساحر) تعجز عن أجره كل الطبقة الوسطى، والساحر يختار الزوج لكي يدخله صندوقاً خشبياً ويحوله إلى (دجاجة)، ويعجز عن إعادتة مرة أخرى إلى هيئته الأصلية.. هنا تهئ نفسك – وإنت المشاهد المستسلم – إلى تقبل فكرة الفاانتازيا والتجريد، فتقبل فكرة الدجاجة (وتطنش) على كيفية هروب الساحر ومساعده وصندوقه، وتبقي مع العائلة التي تصدق بكل إيمان حكاية الدجاجة فتلجأ مع كل معارفها من العمال إلى السحر المضاد وحتى إلى الأطباء الذين ينتابهم أيضاً هذا (الهطل) العلمي فيصفون الدواء للدجاجة ويزودوها بجهاز يعيد الدجاجة إلى رجلها المفقود.

نراها في مستشفي بيطري غريب تتقافز أمامه أعداداً هائلة من الحمير.. إلى الآن جو الفانتازيا يسود، ولكن المخرج (الذي أعلن أنه يتحدث عن أناس حقيقيون) يتحول فجأة إلى مسار (واقعي) تماماً، (فالمرأة المهددة بالطرد وبالتحرش من صديق زوجها تلجأ لأساليب (حسن إماميه) فتعمل خادمه وتظبط وهى تسرق وتعمل في مدبح ثم ينتهي بها الأمر إلى قبول الدعارة وتشغيل طفلها بدلاً من أبيه حيث يرفض المصنع تشغيلها لأنه لا يقبل عمل النساء!!، ثم تذهب إلى قسم بوليس (فانتازي) للإبلاغ عن فقد زوجها لتفاجئ به ملقيا منذ أسابيع فاقد النطق فتتسلمه وعندما تفشل في علاجه تقوم بقتله وذبح الفرخة لتجلس سعيدة بين أطفالها.

لا تشغل نفسك بأي أسئلة من نوع ما هذا المبنى المظلم الكئيب الذي هو (قسم البوليس) فأنت تعرف أن كل المظالم قد توجد داخل الأقسام ولكنه شديد النظافة ويبرق بالإضاءة .. لا تشغل نفسك بكيفية تعبير الطفل عن غضبه لغياب والده بمحاولة حرق البيت (بطريقة عبثية) أو تكسير جهاز الديسكو كطفل باريسي، (وربما يريد المخرج بطريقة فجة أن يقول أن هكذا ينتشر العنف والإرهاب، ولا تسأل نفسك لماذا اختار (رمزياً) لرجل مكافح حنون أن يتحول إلى فرخة  وهي رمز الجبن في كل لغات العالم.

رداءة وضعف الأداء سمة غالبة على ظلامية وكآبة الفيلم

يستعين مخرجنا بهواة في جميع الأدوار يلقي معظمهم بالكلام الذي يلقنهم أياه دون أي تدريب على حد أدنى للأداء وبعضهم يلمح الكاميرا ويساهم بخروجك أيضاً من الفيلم الذي أرهقك تنقله العشوائي بين العبث والواقعية.. سبق وأن رأينا أفلاماً يصنعها هواة أحسن تدريبهم لكون التمثيل شيئ والأداء الركيك شئ آخر، فالأداء الطبيعي هو ما أفتقدناه تماماً طوال الفيلم ونحن نرى مجموعة لقنت أشياء لا رابط بينها ينفذونها بطريقة آلية صماء.

مشكلة فيلم (ريش) أن صناعة لا يعرفون شيئاً عمن يقدموهم، ولا يتعاملون بأي قدر من الحنان مع (فقرهم) ولا يحترمون عقولهم وعقولنا .. الفقر ليس قرين القذارة فكثير من الفقراء شديدي النظافة وكثير من الأغنياء غارقون في قذارة دائمة، والمصريون قد يؤمنون بالسحر والدجل (فقراء وأغنياء) ولكن (الهطل) الذي شاهدنا لا يبرر أي إدعاء بالتجريد أو الفانتازيا .. فهناك محطة بنزين التعاون والنقود المصرية والشخصيات تؤكد أن قصد صانعي الفيلم هو الحديث عن مصر .. عن فقراء مصر، ونحن لا نخجل من فقرنا ولا نستحى من عرضه على الناس، ولكن دون أن تمس كرامتنا وأن تقدر قوتنا وقدرتنا على قهر الفقر وهزيمته وهذا في رأيي دور الفن (بالتعريف): فتح الأبواب للحياة والأمل وليس إغلاقها بإدعاء التعاطف والمعرفة الشاملة بأحوال الناس، والأهم من كل هذا الصدق، وأزعم بكل إرتياح أن هذا فيلم ( كاذب) .. كاذب لو كان يعرف شيئاً عن الحقيقة ويتعمد تجاهلها، أو كاذب لأنه يجهل كل شئ ويريد أن يبدو عالماً بأحوال أهله ومواطنيه.

ملحوظة أخيرة:

موضوع جائزة (كان) وكل ما تبعها وما سوف يتبعها من جوائز.. أرجو ألا تكون تعبيراً عن رغبة الغرب في استمرار رؤية شعوبنا على هذا النحو المغلق البائس وأنهم يكافئون من يثبت لهم ذلك، وأنهم لا يريدون أن يرونا انداداً نستطيع ونملك من الطاقات ما يمكننا من تجاوز تخلفنا والإنطلاق نحو حياة أكثر رحابة وصدقاً.

عن أي إشادة دولية بالقذارة حتى يتحدث هؤلاء الصناع الموتورين

ريش .. إسقاط سياسي واضح!

ثاينا يقول الباحث هاني عمارة: فكرة التحول متأخدة من رواية المسخ لـ (كافكا) وأدب كافكا أدب عبثي سوداوي: (فبطل الرواية فيها صحي من النوم لقى نفسه صرصار وأهله أبوه وأمه وأخته تجنبوه، وفضل يحاول يتكيف مع وضعه الجديد لكن يأس وفي الاخر قرر الموت .. رمزية الرواية عن أوضاع العمال المنسحقين واتكتب سنة 1915 وقت الحرب العالمية الأولى في عز الياس والخراب والتشاؤم .. فالراوية منطقية ومتسقة مع فلسفة كافكا والحقبة الزمنية).

لكن فيلم ريش اتعامل معاها إزاي؟

أول حاجة انه خلى المسخ لرب الأسرة مش للابن والمسخ لفرخة مش صرصار .. طبعا كون المسخ يكون لرب الأسرة رمز السلطة رد على أي حد بيقول الفيلم ما فيهوش إسقاط سياسي، بس هو لعبها بصياعة شوية وصاغها في قالب يتفهم على انه نسوي، لأنه خلى مسار الفيلم يتمحور حوالين الزوجة اللي لما فقدت حضور الزوج اضطرت تنزل تشتغل وتعتمد على نفسها لحد ما اكتشفت في النهاية انها مش محتاجة ضل الراجل فاتخلصت منه  وقتلته، فالفيلم من الزاوية دي يجيب صريخ إعجاب مع هوجة النسوية خصوصا إن لجان التحكيم أغلبها نسويات وحتى الرجالة هتلاقيهم نسويين برضه!!!

لكن ومع ذلك ما اقدرش اقتنع انه الفكرة نسوية محضة، خصوصا انه فيه حاجات بتدعم الإسقاط السياسي وأن الزوج مقصود بيه الحاكم الديكتاتور والزوجة الشعب المطحون المغلوب على أمره للأسباب الجاية:

** الزوج في بداية الفيلم بيغدق بالوعود الفارغة عليها وعلى ولاده وبيكذب عليهم بادعاء أمجاد وبطولات وهمية، برغم بؤس الواقع المتمثل في البيت القبيح رمز البلد اللي تحولت لخرابة.

** رمزية الساحر  اللي جابه الزوج علشان يبهر ولاده وجيرانه في حفل عيد الميلاد بيرمز للإعلام والفن أحد أسلحة الديكتاتور في إبهار الشعب وتجميل الواقع الرديء، ولاحظوا كمان ان الإعلاميين والفنانين في خطاب الإسلامجية والكولجية بيسموهم سحرة فرعون – لكن اللي حصل ان السحر انقلب على الساحر فاتحول لمسخ، ودلالة ده إن الفن والاعلام أحد أدوات الديكتاتور أصبحوا وسيلة عكسية لفضحهم وتحويلهم لفرخة زي ما شفنا في الربيع العربي ودور الاعلام الاجتماعي والفن الثوري فيه.

** اسم الفيلم (ريش) جاي من المثل الشعبي (ريش على مفيش)، ويمكن ده سبب اختيار الفرخة للمسخ ويقصد أن الديكتاتور ده منفوخ ع الفاضي واخره الكلام وان من جواه فاضي وضعيف وجبان زي الفرخة آخره يكاكي، وان الديكتاتور لما اتفضح من الإعلام واتحول لمسخ الشعب فضل فترة متمسك فيه ظنا منه انه ما يقدرش يمشي البلد من غيره لكن في الآخر فاق وقرر يتخلص منه

** المشهد الأخير اللي سبق الزوجة وهي بتقتل الزوج جايب في التلفزيون صورة ورد بيتفتح وده بيفكرنا بشعار يناير (الورد اللي فتح في جناين مصر).

** موسيقى الفيلم مش عشوائية تم اختيارها بعناية لكل مرحلة مثلا لما قررت الزوجة تخرج وتواجه الحياة كانت الخلفية موسيقى دنيا جديدة لفايزة أحمد، ولما قررت تقتل جوزها وتكمل حياتها بمفردها كانت موسيقى حكايتي مع الزمان لوردة .

وسواء كان الفيلم نسوي أو إناركي ثوري إلا انه لا يمكن تصنيفه انه سوداوي أو عبثي، لأنه نهايته سعيدة بالتخلص من رمز السلطة والاعتماد على النفس، غير ان فيه خط أخلاقي وعظي في مسار الأحداث وده ما يمشيش مع السوداوية والعبثية اللي بتكون لا أخلاقية ونهايتها مأساوية.

مظاهر القبح والقذارة المبالغ فيها  ما كانتش ضرورية وكان ممكن الاكتفاء بمظاهر الفقر، وده بيخليني أميل إلى انها مقصودة لذاتها وده فعلا سبب غضب الناس اللي شايفينه مسيء لمصر، لأن المشكلة مش فيلم بيتكلم عن الفقر.. المشكلة في القذارة المبالغ فيها لحد التقزز

عبث كوني واضح ينم عن عشوائية تفكير مخرجه الأرعن

باقي السؤال هل الفيلم مسئ لمصر:

الإجابة : العبرة باللي هيوصل لعامة الجمهور، وبصراحة مش هيوصل منه الا كادرات القبح والقذارة (مش الفقر) وكل الكلام عن فلسفة الفيلم مش هيوصل الا لقلة قليلة جدا .. يعني عمليا الفيلم مع حالة التربص والاستقطاب السياسي في مصر مش هيفضل منه إلا مظاهر القبح والقذارة اللي مع الوقت هتتحول للوحات وبانرات دعاية سلبية في أي هوجة ثورية، واللي مش مصدق يشوف التفاعل مع الترند وتعليقات الناس خصوصا من تيار الدونية المصرية الداخلي او الخارجي، أو بعض الجنسيات  العربية الكارهة لمصر.

ملاحظة أخيرة:

ماحدش طالب بمنع الفيلم حتى من اللي انتقدوه والانتقاد أنا شايفه مبرر لأن اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي .. بسبب هوجة أفلام العشوائيات اللي بدأت مطلع الالفية وأثرها السلبي في الإساءة لمصر قبل الإساءة للنظام بشكل ما يحسوش إلا المغتربين.

وأخيرا..

ظني بعد عرض الرأيين السابقين ينبغي أن تخرس كل الألسنة التي تدعي أن فيلم ريش (واقعي من النوع الفاشكولي على الطريقة السيرالية التي تعنى بالتعبير عن الواقع باشتغال الفكر إما شفويا أو كتابيا أو بأي طريقة أخرى، وهو ربما ما استندوا إليه في قولهم الفيلم ربما يصعب فهمه على الجمهور العادي)، فكل ما نضحت به قريحة صناعه بالشر المطلق، مثل (محمد حفظي، وعمر الزهيري) ينم عن سم قاتل تم وضعه بخيال مريض يستهدف شق صفوف هذا الوطن، ما بين مؤيد ومعارض لفيلم تافه، وكل من روج له من الإناركية والطابور الخامس مثل (محمد دياب) ليس له تفسير واضح غير أنهم يدورون في فلك عصابة الإخوان الإرهابية، بهدف الإساءة لمصر عبر قوى ناعمة مضادة تقتل بلا رحمة أو شفقة على جناح الحرية الفكرية بتمويل من منظمات ودول كارهة لمصر بالأساس .. والله على ما أقول شهيد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.