رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
أحمد علام يعزف على البيانو

* يوسف وهبي أنصفه على (عزيز عيد) واختاره لدور فى (الذبائح) وفاطمة رشدي أهدته دور عمره

* أول وآخر ممثل عربي قام بتمثيل أحدى الشخصيات المقدسة على المسرح وهى شخصية سيدنا (يوسف الصديق) عليه السلام

* عام 1930 منحته وزارة المعارف جائزة تشجيعية مائة جنية، فقام برحلة دراسية إلى لندن للاطلاع على الحركة المسرحية هناك.

* كان الفنان المفضل لـ (أحمد شوقي) و(عزيز أباظة).

* حول يوسف شاهين وعبدالحليم حافظ للمحكمة بتهمة التمثيل.!

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
أحمد علام يستمع إلى أحد أعماله

كتب : أحمد السماحي

أحمد علام فتى السينما المصرية الأول، وواحد من الرعيل الأول الذين عانى من صعوبات كثيرة بسبب عملهم وامتهانهم مهنة الفن، حيث كانت الأسر المصرية تتبرأ من أي ابن لها يعمل في الفن، وتحل الأسر الكبيرة دم ابنتها، أو على الأقل تقاطعها حتى الممات طالما اشتغلت مشخصاتية!.

 فى الحلقة الأولى توقفنا عند مولد (علام)، وحلم والده بأن يتم دراسته العالية، ويتخرج ليصبح مهندسا أو طبيبا أو محاميا أو موظفا كبيرا في الدولة، لكن هواية التمثيل تمكنت من نفسه، وخلبت عقله وروحه أضواء المسرح، ودخل الفن عن طريق الأدب، وصداقته لأمير الشعراء (أحمد شوقي)، وتنقله بين العديد من الفرق المسرحية الشهيرة، وفى هذه الحلقة نستكمل المشوار..

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
فى مسرحية (الاستعباد) جسد دور رجل مغربي

منافسة مع عزيزعيد

تنقل (أحمد علام) بين عدة فرق شهيرة، إلى أن استقر فى فرقة (رمسيس) لصاحبها (يوسف وهبي) وقدم فى الفرقة عدة أدوار مهمة فى المسرحيات التى قدمتها الفرقة، فلفتت إليه الأنظار، وكان لدوره فى إحدى المسرحيات وهو دور (ماكس) فى مسرحية (الذئاب) لـ (هنري باتاي) قصة جديرة بالتسجيل كما حكاها الناقد والمؤرخ الكبير (محمد السيد شوشه)، فيقول: كان دور (ماكس) من الأدوار الهادئة ومن الصعب على أي ممثل عادي أن ينجح فيه لأنه خال من المواقف الدرامية العنيفة التى تهز المتفرج بقوة ولذلك كان (عزيز عيد) المدير الفني للفرقة يريد تمثيله، ولكن (يوسف وهبي) اختار له (أحمد علام) فأداه بنجاح لأنه كان يؤديه ليثبت به وجوده أمام (عزيز عيد) الذى كان يعتقد أن (علام) لا يصلح لمثل هذا الدور، بل لا يصلح إطلاقا لدور الفتى الأول إلى درجة أنه كان يرشحه دائما لأدوار الشيوخ، وهو لا يزال فتى يانعا فى ريعان الشباب لأنه كان ممتلئ الجسم.!

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
فى دور (قيس بن الملوح) في رائعة (مجنون ليلى)

مجنون ليلى

لم تقتصر المنافسة بين (عزيز عيد) و(أحمد علام) على هذا الدور، فعندما قدمت الفنانة (فاطمة رشدي) رائعة (مجنون ليلى) للشاعر الكبير (أحمد شوقي) رأى (عزيز عيد) أنه أصلح واحد لدور (قيس المجنون) بل كان يرى أنه خلق لتمثيله، ولا يستطيع أن يقوم به أحد سواه، لكن (فاطمة رشدي) رأت أن (علام) هو أفضل من يقوم بالدور، وأيدها في هذا الرأي (أحمد بك شوقي)، وبالفعل قدم (علام) الدور بشكل مذهل، وساعدته هوايته للأدب وتذوقه للشعر على التألق واللمعان، حتى أن كثير من نقاد المسرح الذين شاهدوا الدور أعتبروه دور عمره وأنه أحسن من جسد (مجنون ليلى) وظلوا على رأيهم حتى رحلوا عن حياتنا في الثمانينات والتسعينات.

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
في أحد أدواره التى جسد فيها شخصية عربية

سقوط عزيز عيد

كان الوعي التمثيلي فى ذلك الوقت بدأ يظهر بين طلبة المدارس فكونوا الفرق التمثيلية التى أخذت تتبارى وتتنافس فى تمثيل تلك المسرحية الشعرية، وكان كل شاب يهوى التمثيل يريد أن يمثل دور (المجنون) ليلقد (أحمد علام) فى شخصيته الجذابة وإلقائه المنغم الجميل، وخطواته الثابته على المسرح، ووقفاته الرائعة وحركة يديه وهو يلوح بها في رشاقة وخفة وملامح وجهه وتعبيرات عينيه، حيث يخيل إليك أنه قد تحول إلى شخص آخر مسحور يتقمص شخصية المجنون جسدا وعقلا وروحا.

ولقد انطبعت شخصية هذا الدور فى أذهان الجماهير فى تلك الفترة في شخصية (علام) إلى درجة أن (عزيز عيد) حاول أن يمثل دور (المجنون) بعده فأخفق فيه، ليس لأنه لم يجيد التمثيل هذا الدور، وانما لأن الناس لم يستطيعوا أن يتخيلوا شخصا آخر فى دور (المجنون) غير (أحمد علام) حتى بلغ من حماس بعضهم للممثل الشاب أنهم عندما كانوا يرون منافسه يقوم بهذا الدور كانوا ينادون بسقوط (عزيز عيد) وحياة (أحمد علام)، ولذلك ظن المخرج الكبير (عزيز عيد) فى ذلك الوقت أن الممثل الشاب هو الذى أوحى إلى بعض الناس بهذه الهتافات عندما مثلت المسرحية في القاهرة، لكنه وجد الهتافات تتكرر فى كل مكان ذهب إليه بالعرض سواء فى أقاليم مصر أو شمال أفريقيا.

وبلغ من شهرة (علام) فى دور (المجنون) أن المخرج (محمد كريم) والموسيقار (محمد عبدالوهاب) استعانا به لتمثيل الدور بدلا من (محمد عبدالوهاب) فى أوبريت (مجنون ليلى) فى فيلم (يوم سعيد)، وارتبط اسم (أحمد علام) باسم (مجنون ليلى) حتى رحيله.

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
مع حسن البارودي فى أحد أفلامه

سيدنا يوسف

العلامات المضيئة في مشوار (أحمد علام) كثيرة، فهو أول وآخر ممثل عربي قام بتمثيل أحدى الشخصيات المقدسة على المسرح، وهى شخصية سيدنا (يوسف الصديق) عليه السلام، فى مسرحية (زليخا) تأليف (حامد عبدالعزيز) مع فرقة (فاطمة رشدي)، وقد ثار رجال الدين عليه، فمثلها يومين فى القاهرة، ثم منع تمثيلها، بعدها سافرت الفرقة إلى العراق، وهناك قامت بإعادة تمثيل مسرحية (زليخا) لعدة أيام، وقبل تجسيده لدور سيدنا (يوسف) هذا النبي التقي الذي راودته أمرأة العزيز عن نفسه، فاستعصم وأبى، وقطعت النسوة أيديهن مأخوذات بفرط حسنه وجماله، كان (علام) لا يزال فى عنفوان الشباب فتى ممتلئ القوام جذاب الشخصية جميل الصورة يشع من عينيه بريق الإيمان، فأقنع الناس بهذه الشخصية.

وقد جعلهم يتخيلونه فى صورة النبي الجميل كما انطبعت فى أذهانهم صورته في شخصية نبي الحب (مجنون ليلى)، فقد كان هناك خيط واحد يربط بين الشخصيتين فى التمثيل هو عنصر التصوف، التصوف فى الحب فى شخصية (قيس)، والتصوف فى الدين في شخصية سيدنا (يوسف)!، وقد استعان (علام) على أداء هذه الشخصية المقدسة فى ذلك الوقت بأن عصم نفسه من كل ما يغضب الله، فتوقف عن الشرب، وعكف على الصلاة والعبادة، وتلاوة القرآن ليدخل الدور بقلب سليم.

نشر الثقافة المسرحية

فى عام 1930 منحته وزارة المعارف جائزة تشجيعية مائة جنيه، تقديرا لجهوده فى نشر الثقافة المسرحية بين طلبة المدارس بعد أن تفوقت الفرق المسرحية فى المدارس التى يقوم بتدريبها على التمثيل، وحققت له هذه الجائزة الضخمة أملا عزيزا بالقيام برحلة دراسية إلى لندن للإطلاع على الحركة المسرحية هناك.

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
مع روحية خالد وبرلنتي عبدالحميد فى الإذاعة أثناء اشتراكهم في أحد الأعمال الدرامية

تاجر البندقية

عندما أنشئ (اتحاد الممثلين) عام 1932 الذي كان نواة لإنشاء الفرقة القومية عام 1935 اختير سكرتيرا عاما للاتحاد ثم ألتحق بالفرقة القومية ومثل من خلالها العديد من روائعه المسرحية التى لا تنسى نذكر منها (تاجر البندقية) لشكسبير، (الحب والدسيسة) لـ لشيلرو، (الشعلة المقدسة) لـسومرست موم، (غادة الكاميليا) لالكستدر ديماس، (الابن والوطن) لفيكتوريان سارو، (الموت يأخذ إجازة) لألبرتوكاسيلا.

عزيز أباظة

عاصر (أحمد علام) شاعرين كبيرين وربطت بينه وبينهما صداقة وطيدة وهما (أحمد شوقي، وعزيز أباظة) والأخير كان يرشحه لبطولة أعماله المسرحية لحسن إلقائه الشعر وتميز أدائه فى هذا، فضلا عن أدائه البسيط الذي كان يختلف عن نجوم جيله، فقام ببطولة عدة مسرحيات شعرية لـ (عزيز أباظة) هى (قيس ولبنى، الناصر، العباسة، غروب الأندلس، شجرة الدر).

نجومية السينما

بعد الشهرة الكبيرة التى حققها فى المسرح كان لابد أن تستفيد السينما من هذه الشهرة والنجومية، فقدم العديد من الأدوار الجيدة بداية من فيلمه الأول الصامت (بنت النيل) عام 1928، وكان فيلمه الثاني مع سلطانة الطرب (منيرة المهدية) من خلال فيلم (الغندورة)، وكان فيلمه الثالث (أنشودة الفؤاد) عام 1936 الذي قام ببطولته مع (نادرة)، وفى نفس العام عرض فيلمه (وداد) الذى شارك (أم كلثوم) بطولته.

وتوالت أفلامه منها: (تحت السلاح، أولاد الفقراء، خفايا المدينة، قضية اليوم، شمعة تحترق، الماضي المجهول، الموسيقار، غروب، شادية الوادي، هدية، فتح مصر، الحلقة المفقودة، نحو المجد، ولدي، أرواح هائمة، أيام شبابي، عاصفة على الربيع، جنة ونار، أنا بنت مين، غضب الوالدين، ثورة المدينة، رد قلبي، الله معانا، المجد، مع اليام، عواطف، قلوب العذارى) وغيرها.

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
مع يوسف وهبي ونيازي مصطفى وفردوس حسن في أحد العزائم

المسيح والسيد البدوي

رغم تقديمه لحوالي 40 فيلما إلا أنه لم يجد نفسه فى السينما، وكان يفضل المسرح عليها كما ذكر هو في أحاديثه الصحفية، وفى عام 1953 شارك فى بطولة فيلم (السيد البدوي) تأليف وإخراج (بهاء الدين شرف)، حوار (بيرم التونسي) وشاركه البطولة زملائه (عباس فارس، كوكا، تحية كاريوكا، سراج منير، فاخر فاخر، وداد حمدي) وغيرهم تدور أحداث الفيلم حول قصة حياة السيد (أحمد البدوي) بدايةً من مولده بالمغرب مرورًا بامتناعه عن الزواج بمَن تحبه وترحاله الدائم من أجل عبادة الله وتحصيل العلوم الدينية الإسلامية والجهاد في سبيل الله والعداوات التي صمد أمامها متكلًا على الله وحده حتى انتصر على كل أعدائه.

وعام 1955 قام بالبطولة الصوتية للفيلم المكسيكي (شهيد الجلجثة) أو (آلام السيد المسيح) كما ذكر أستاذنا ومبدعنا الكبير (ثروت الخرباوي) وشاركته البطولة الصوتية (سميحة أيوب، عبدالسلام محمد، عزيزة حلمي، عبدالعليم خطاب، سعد أردش، استفان روستي، توفيق الدقن) وغيرهم.

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
الوثيقة التى تؤكد طلبه البوليس لعبدالحليم حافظ

منع يوسف شاهين وحليم من التمثيل

من أهم الأدوار التى لعبها فى مشواره الفني دوره كنقابي كرس جانبا كبيرا من حياته للارتفاع بمستوى المهنة والفنانيين، فقد كان سكرتيرا لاتحاد الممثلين، ثم سكرتيرا دائما لنقابة الممثلين التى تأسست عام 1943، ثم نقيبا لها عندما تحولت إلى نقابة مهنية عام 1953، وعندما أصبح نقيبا حاول منع (يوسف شاهين) من التمثيل، عندما علم أنه سيقوم ببطولة فيلمه (باب الحديد) حيث ينص قانون نقابة الممثلين في ذلك الوقت بأنه في حال قيام شخص غير مقيد بجداول نقابة الممثلين بالتمثيل، فإن ذلك جُرم يستدعي العقاب بالحبس 30 يومًا و50 جنيه غرامة ويقضي القانون في نقابة الممثلين وقتها بأن لا يعمل في التمثيل إلا من هو عضو فيها، ويستثنى من ذلك حالة يسمح فيها لغير المسجل بالنقابة أن يقوم بالتمثيل في حال كان الدور المسند إليه يتطلب شخص ليس له نظير بين المنتسبين للنقابة.

يومها قال (يوسف شاهين) أن الدور الذي يمثله لا يستطيع أن يقوم به أي أحد من الممثلين ضمن النقابة، غير أن هذا لم يمنع النقابة من الاعتراض عليه، فأشار نقيب الممثلين وقتها، (أحمد علام) بأن هناك لجنة مكونة بحكم القانون في النقابة للبحث في هذه الحالات فقدم (شاهين) السيناريو للنقابة وأرفقه بطلب لتقييده عضوًا فيها وأرادت اللجنة أن تنظر إن كان الدور يتطلب شخصًا ليس له نظير بين أعضاء النقابة فتسمح بذلك لـ (شاهين) غير أنه لم ينتظر وقام بتمثيل الدور وتصويره وبناء على ذلك قدم نقيب النقابة بلاغًا إلى النيابة، فاستُدعيَ (يوسف شاهين) للمثول أمام النيابة وتقرر تقديمه للمحاكمة، ونفس الأمر فعله مع (عبدالحليم حافظ) عام 1955 أثناء تمثيله في فيلم (دليلة).

أحمد علام .. جسد شخصية سيدنا يوسف على المسرح فى مصر والعراق (2/2)
مشهد من فيلمه (ثورة المدينة) مع حسين رياض ومحمد كامل

الرحيل

أصيب (أحمد علام) بأقسى محنة يمر بها فنان يعشق القراءة وهى الأصابة بانفصال شبكي فى عينيه حال بينه وبين هواية القراءة فترة طويلة، وأوفدته الدولة للعلاج فى الخارج على نفقتها، كما منحته وسام الفنون من الدرجة الأولى تقديرا لجهوده الفنية.

ثم وافته المنية ورحل عن حياتنا في مثل هذه الأيام وبالتحديد فى الأول من سبتمبر عام 1962، وشيع جثمانه من المسرح القومي الذي كان الفقيد من أعضائه المؤسسين في موكب مهيب سار فيه كل فناني وفنانات مصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.