رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أفغانستان.. صانعة المآسي

بقلم: محمود حسونة

أفغانستان، شاغلة الشاشات وصادمة الناس في السياسة، وهدف المبدعين، وصانعة المآسي  في الدراما، بعد أن تحولت إلى مركز لصناعة الأحداث التي تستفز القاصي والداني، منذ ظهور حركة طالبان كحركة إصلاح اجتماعي ثم تحولها السريع إلى حركة ذات أطماع سياسية تسعى للسيطرة على الدولة والتحكم في الشعب ومصادرة حريات الناس؛ وظهور طالبان واستفحالها سياسياً، جعل من أفغانستان المأوى الأنسب للارهابيين، وساعد على ذلك طبيعتها الجبلية التي تيسر الهروب من الرصد والمراقبة، ولذا استوطنها تنظيم القاعدة، وبعد ارتكابه التفجير الأكبر تاريخياً في 11 سبتمبر 2001، كان القرار الأمريكي بغزو أفغانستان واحتلالها استهدافاً للقاعدة وطالبان في آن واحد؛ وبعد 20 عاماً كان القرار الأمريكي العجيب بالانسحاب وترك أفغانستان “هدية” لطالبان، تعبث بها وبشعبها، وتكون شوكة في خاصرة الجوار.

أحداث استفزت مبدعين بعد أن زلزلت العالم وهزت صورة القوة العظمى الأولى، وأكدت للعالم أن أمريكا ليس هدفها نشر الديمقراطية وتكريس حماية حقوق الانسان كما تدعي، بل أنها تأخذ ذلك ستاراً للهدف الحقيقي، وهو خلق بؤر للفوضى ونشر الفتن والعبث بمقدرات الأمم وطموحات الشعوب.

وكأن السيناريست عبدالرحيم كمال كان يدرك أن كابول ستعود لتتصدر الاهتمام الإعلامي العالمي وستكون المركز للحدث الصاعق، فمهّد لما نعايشه حالياً من سقوط لدولة عاشت في ظل حماية أمريكية 20 عاماً، وتدرّب جيشها على يد عناصر المارينز، وتم تزويده بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً، ليظهر أمام مقاتلي طالبان وكأنه لاشيء، غبار يطير في الهواء بمجرد مرور لفحة لاهبة أو باردة، والمهم أنها غير معتدلة، في دولة لا تعرف الاعتدال، ولا ترضى سوى بالعنف سواء من طالبان المتطرفة أو من حكومتها الفاسدة أو من جيشها الهش أو من محتليها الفتنويين.

عبد الرحيم كمال والمخرج حسام علي قدما لنا في رمضان الماضي مسلسل (القاهرة – كابول)، والذي كان من أهم الأعمال الدرامية التي عرضتها الشاشات المصرية في رمضان، وجاءت الأحداث الأخيرة لتفرض إعادة عرضه على بعض القنوات، ليذكر من نسوا أن الإرهاب الذي اكتوينا بناره على مدار عقود مضت صناعة أفغانية إخوانية قاعدية طالبانية، باختصار صناعة مختلطة من ألوان من الفكر المتطرف، سمحت لهم بتكفيرنا والسعي لقتلنا ونشر الفتنة بيننا وهدم حضارتنا وتاريخنا، مستغلين تجاربهم في هدم تماثيل بوذا المحفورة في قلب جبل باميان هناك من 1500 سنة.

لم ننس الشيخ رمزي، والذي جسده في المسلسل باقتدار الفنان طارق لطفي كرمز للتسلط الديني والتجاوز في حق الناس والتشكيك في عقيدتهم واستباحة دمائهم وأموالهم باسم الدين، بما في ذلك أقرب المقربين، والذي اتخذ من جبال أفغانستان مقراً له للتنغيص على الدولة المصرية والشعب المصري وشعوب الدول الشقيقة، وقد ظهر طارق بهيئة تطابق هيئة زعيم القاعدة أسامة بن لادن شكلاً وسلوكاً، وفِي أحد لقاءاته أكد طارق لطفي أن شخصية الشيخ رمزي هي خلطة تجمع بين 4 شخصيات حقيقية هي: حسن البنا (مؤسس تنظيم جماعة الإخوان المسلمين)، وشكري مصطفى (مؤسس تنظيم جماعة التكفير والهجرة) وأسامة بن لادن زعيم القاعدة، وأبو بكر البغدادي “زعيم داعش”، وكل تلك الشخصيات “بينهم عامل مشترك، لأن النبع واحد، والهدف واحد”، كما أن هؤلاء الأربعة ومعهم سيد قطب هم الذين ملأوا حياتنا إرهاباً وزعزعوا عقائد أبنائنا وفرقوا بين المرء وزوجه والابن وأبيه والأم وابنتها، ويماثل رمزي في التسلط ولكن بشكل مختلف الإعلامي طارق والذي تفوق فيه فتحي عبدالوهاب على نفسه، ويواجههما الضابط عادل (خالد الصاوي) والمخرج السينمائي خالد ( أحمد رزق)، والأربعة كانوا في طفولتهم أصدقاء وتشاركوا مقر الإقامة وحلم التحكم في العالم، ولكنهم اختلفوا في الوسيلة وافترقوا في الهدف.

(القاهرة: كابول) كان آخر الأعمال التي اقتحمت جبال أفغانستان وما يحاك داخلها ضد استقرار الدول وأمن وأمان شعوبها، وقبله تناولت أعمال عدة قضية الإرهاب في أفغانستان بأشكال مختلفة، ومعظمها أثار ضجيجاً وجدلاً قبل العرض وبعده، ولن ننسى مسلسل (الطريق إلى كابول) والذي أنتجه المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية في الأردن عام 2004 لصالح التليفزيون القطري، تأليف الأردني جمال أبو حمدان، وإخراج محمد عزيزية، وبطولة عدد من كبار الممثلين السوريين والأردنيين مثل عابد فهد وفرح بسيسو وعارف الطويل ونبيل المشيني ووائل نجم وشفيقة الطل وتم تصوير معظم مشاهده في الأردن.

ولأن الإرهابيين يخشون سلاح الفن، حاربوا المسلسل بمجرد الإعلان عنه، ونجحوا في منع عرضه من على جميع القنوات التي اشترت حق بثه، وكان أول المعلنين عن عدم عرضه منتجه التليفزيون القطري، وتبعه التلفزيون الأردني، الذي أعلن امتناعه عن بثه استجابة لإرادة التلفزيون القطري صاحب الإنتاج؛ ثم التلفزيون اليمني، كما امتنع أيضاً كل من التلفزيون المغربي والبحريني عن عرضه.

مجموعة إم بي سي، كانت الجهة الوحيدة التي لم تهتز لتهديدات جماعات الإرهاب وعرضت الحلقات الثمانية التي تسلمتها من الشركة المنتجة، وبعد ذلك توقفت عن العرض بعد أن رفضت الشركة المنتجة تسليمها باقي الحلقات، ولجأت إلى القضاء في الأردن، ثم في دبي ضد الشركة المنتجة.

أجهض عرض المسلسل بيان أصدرته إحدى الجماعات المتطرفة، وتدعى “كتائب المجاهدين في العراق وسورية”، متوعدة باستهداف كل من شارك في صناعته، وكل القنوات التي ستعرضه.

(الطريق إلى كابول)، تناول حقبة من تاريخ أفغانستان، ومنها الاحتلال السوفييتي وقيام حركة طالبان والاجتياح الأميركي للبلاد، مستعرضاً أسباب هجرة مئات من الشباب العرب إلى أفغانستان لقتال القوات الروسية، ثم قتال القوات الأميركية التي احتلته العام 2001، من خلال قصة حب بين شابة أفغانية وشاب عربي يلتقيان في لندن ثم يعودان إلى كابول.

كان للمغرب نصيب أيضاً من الاهتمام فنياً بأفغانستان حيث أنتج عام 2012 فيلماً بنفس عنوان المسلسل الأردني القطري (الطريق إلى كابول) إخراج إبراهيم شكيري، وبطولة كل من عزيز داداس، ربيع القاطي، أمين الناجي، رفيق بوبكر، يونس بواب، سعيد باي، فاطمة بوشين، ويناقش قضية الهجرة السرية ويربط بينها وبين الإرهاب في أفغانستان.

بعد السقوط المريع لأفغانستان، وبعد أن تمكنت منها جماعة تتخذ العنف أداةً والتطرف نهجاً، وبعد أن استفز العالم مشهد تسلق الأفغانيين لطائرة عسكرية أمريكية أملاً في أن تنقلهم من جحيم طالبان إلى أي مكان ليكون مصيرهم الموت تدافعاً أو الموت سقوطاً من الطائرة التي أقلعت والبعض يتشعلق على أجنحتها غير عابئة بمصيرهم، وبعد أن عجز المختصون عن تحليل مشاهد تسليم العاصمة لطالبان من دون أي محاولة من الجيش للتصدي، سوف يستفز ذلك وغيره من الحقائق التي سيكشفها القادم من الأيام المبدعين حول العالم، لإعادة وضع أفغانستان في قلب الحدث الدرامي والسينمائي أملاً في أن يستوعب الناس الحقائق المخفية وراء ما حدث.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.