رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عملها عمر وجاب ذهبية من (كان)

بقلم : محمود حسونة

المشاركة في مهرجان كان السينمائي الدولي حلم كبير لكل صانع سينما في العالم، خصوصاً وأنه المهرجان الأول والأكبر عالمياً، كما أنه ومنذ انطلاقته الأولى عام ١٩٤٦ ظل قبلة لأكبر النجوم وأعظم المخرجين وأفضل المبدعين حول العالم، والفوز بإحدى سعفات (كان) هو الأمل لكل من استطاع اجتياز بوابات واختبارات، وفاز بحق المشاركة، وهو ليس أمل للأفراد فقط ولكن للدول أيضاً، حيث أن سعفة كان، تكون بوابة العبور وصك الاعتراف الرسمي بعالمية الحاصل عليها، وبالنسبة للدول تكون بمثابة شهادة تميز للسينما التي تنتجها هذه الدولة أو تلك.

مصر حرصت على المشاركة في المهرجان والتنافس على جوائزه منذ أولى دوراته ١٩٤٦، وخروجها خالية الوفاض لم يثنها على أن تواصل المحاولات على مدار سنوات عمره، شاركت بكبار مخرجيها وعلى رأسهم يوسف شاهين، الذي آمنت به فرنسا وكرمه المهرجان في دورته الخمسين عن مجمل أعماله، واحتفت به الصحافة والإعلام الفرنسي ولكن أياً من أفلامه لم يفز.  شارك أيضاً صلاح أبو سيف وهنري بركات وكمال الشيخ ويسري نصرالله وغيرهم ولم يفز أحد. وفي الدورة الأخيرة والتي اختتمت فعالياتها قبل أيام تحقق الحلم، وفاز بالسعفة الذهبية لأسبوع النقاد شاب مصري واعد لا يتجاوز عمره الثالثة والثلاثين اسمه عمر الزهيري عن فيلم بعنوان “ريش”.

عملها عمر الزهيري والذي لا يعرفه أحد، سوى القلة القليلة من الوسط السينمائي، وانتزع ما لم يستطع انتزاعه كبارنا ومخضرمينا، عملها وأصبح اسمه المجهول معلوماً بعد أن تردد خبر فوزه بسعفة ذهبية في وكالات الأنباء والصحف العالمية؛ عملها في صمت، شارك في الكتابة وبحث عن مصادر للتمويل ووجد من يتحمسون له من مصر وفرنسا وهولندا واليونان، وصوّر ومَنتَج وتقدّم للمهرجان، وجاءه الرد مرحباً به وبفيلمه، وذهب مع أبطاله المجهولين إلى هناك، ليصفق له العالم وليقول له نظراؤه من السينمائيين من دول مختلفة “برافو”.

جائزة عمر تحمل في طياتها الكثير من المعاني، فهي تعطي لأبناء جيله جرعة من الإيجابية والأمل في أن الموهبة لا بد أنها ستجد من يقدرها، وأن هذا الجيل فيه من المواهب ما يفوق أجيال سبقته، وأن الملعب أمامه ليلعب ويبدع ويتحرر ويثير قضايا ويقول كلمته ويصيب أهدافاً ويحصد جوائز.

تؤكد الجائزة أيضاً، أن السينما ليست حكراً على أحد، وأن أبواب الإبداع مفتوحة لمن يريد، فهذا الفيلم لعب بطولته أناس مجهولون لا يعرفهم أحد، ومع ذلك لديهم من الموهبة ما يفوق نجوم ونجمات يلمعون كل الوقت، ولكن ليس كل ما يلمع ذهباً، بل قد يكون “فالصو”، وهؤلاء المجهولين قادمون من مناطق مختلفة، حيث بذل المخرج جهداً في البحث عنهم حتى وجد الذهب الذي ينتظر من يزيح عنه غبار الزمن ليلمع ويبرق أمام العالم ويقنع القاصي والداني أن نهر المواهب في مصر لن يجف أبداً، وأن قرى مصر ونجوعها ومدنها مليئة بالمواهب المبدعة التي تنتظر الفرصة المناسبة للظهور. ومن بين أبطال فيلم (ريش أم ماريو، وويصا، وفادي)، 3 من أبناء قرية البرشا بمركز ملوي بالمنيا، اختارهم الزهيري بعد أن آمن بموهبتهم ليرفعوا رأسه، وبعد الفوز احتفلوا بقريتهم في الصعيد، وأدخلوا والفرحة بالنجار والفخر بالجائزة والاعتزاز بالموهبة على قرية نائية.

لدينا نجوم ومخرجون يحرصون على الذهاب بشكل شبه سنوي إلى (كان)، وتكون حصيلة الرحلة، صور أمام قصر المهرجانات مع هذا النجم العالمي أو ذاك، كما يفعل المنبهرون من الجمهور العادي لدينا معهم، من دون الحرص على حضور أكبر قدر من الأفلام المعروضة والندوات المصاحبة للاستفادة والاستزادة، فهم يكفيهم الحد الأدنى لحفظ ماء الوجه، والأهم الصورة التي يتباهون بها كما الخارج للتو من أحد النجوع المعزولة إلى المدينة ليعيش الانبهار والازمهلال. ‎

يمزج الفيلم، حسب من شاهدوه، بين الواقع والخيال، حيث يحكي قصة أب يحضر ساحراً في حفل عيد ميلاد ابنه، وفي واحدة من الفقرات يحول الساحر الأب إلى دجاجة، وهنا تتطور أحداث الفيلم أثناء محاولة استعادة الأب، ويناقش عدة قضايا اجتماعية مثل الفقر وقهر المرأة، وتم تقديمه بصورة تتجاوز النمطية والتقليدية وهو ما نال إعجاب لجنة التحكيم الدولية لينال جائزة أسبوع النقاد الكبرى، ولعل هذه الجائزة تكون قد فكت النحس المصري لتضع اسم مصر وشبابها على قوائم سعفات المسابقة الرسمية للمهرجان خلال الدورات المقبلة، خصوصاً أن صناعة السينما في مصر ضاربة في أعماق الزمن ومع ذلك عجزت عن تحقيق ما حققته السينما في دول شقيقة نجحت في حصد جوائز عالمية رغم حداثة عهدها وندرة إنتاجها.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.