رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

“شوهات” حمو و”رفاقه”

بقلم : محمود حسونة

من يتابع حالة الرفض الشعبي لحمو بيكا و”رفاقه” على مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يستوعب حالة الانتشار المرعب لأغاني المهرجانات بين مختلف الأوساط الاجتماعية في مصر. إنه التناقض الغريب الذي نعيشه والذي يؤكد عدم التجانس لا الفكري ولا الثقافي ولا الاجتماعي بين الناس، ليس في مصر وحدها ولكن في دول مختلفة.

صورة أخرى يراها البعض تأكيد لحالة التناقض وهى أن الدستور المصري يؤكد أن حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة للجميع، وأن الدولة تتولى رعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفر الوسائل اللازمة لتشجيعهم، في حين أن بعض المؤسسات الرسمية مثل نقابة المهن الموسيقية تخوض معركة ضد مؤدي أغاني المهرجانات منذ سنوات، وآخر وقائع هذه المعركة قرار النقيب هاني شاكر بمنع التعامل مع بيكا و”إخوانه” نور التوت، مسلم، عنبة، وأحمد موزة، لحين تصحيح أوضاعهم بالنقابة واجتياز الاختبارات.

هذا التناقض قد يكون صحيحاً، حال توافقنا على أن ما يغزو من صخب وضجيج المهرجانات يعد إبداعاً وهو الأمر الذي عليه خلافات تصل إلى حد الانقسام المجتمعي.

ولعل أبلغ صور التناقض، أن البعض يهاجم هذه الأغاني ومع ذلك يحرص على وجودها في المناسبات التي تخصه أو تخص ذويه، مثل أعياد الميلاد أو حفلات الزفاف أو احتفالات التخرج والنجاح، وهو ما فتح الأندية الاجتماعية وفنادق الخمس نجوم وأفخم المجمعات السكنية أمام بيكا و”إخوته”.

ندرك أن البعض يفتح لهذه الأغاني أبوابه من باب أنها موسيقى غريبة، صاخبة تثير ضجيجاً يكون مطلوباً في بعض الأوقات وتجبر من لا يحبون الرقص على تحريك أجسادهم وتفرض حالة من الانتشاء، وبحجة أنها “مرة وتعدي”، ولكنها دائماً “مبتعديش”، بل تتشبث وتتكرر وتصيب الآخرين بالعدوى لتنتشر وتنتشر وتخلق لنفسها أرضيات جديدة وتثبت وجودها داخل المجتمع.

أغاني المهرجانات مثل المخدرات، يتناولها أحدهم أول مرة لمجرد التجريب، والتجريب يحقق انتشاءً، والانتشاء يفرض التكرار، والتكرار يسبب إدماناً، وتنتقل العدوى إلى ثان وثالث ورابع.. حتى يصبح الإدمان مرضاً مجتمعياً.

جريدة “المصري اليوم”  طرحت سؤالاً على متابعيها على تويتر نصه: “مع أم ضد قرار نقابة المهن الموسيقية منع حمو بيكا وموزة وعنبة من الغناء؟”، وجاءت ردود ضدية بشكل يجمع بين الحسم والقسوة متجاوزة ما يطرحه السؤال وذاهبة إلى الأبعد بضرورة منع هؤلاء ومعهم “بامبرز وان” و”شاكوش ومرزبة” حسب ما كتبوه حرفياً، حفاظاً على قيم المجتمع، حيث قال أحدهم “مع طبعاً، لأن السماح للناس دي بالغناء كارثة، ‏ده اغتيال للذوق العام وإفساد للهوية المصرية والعربية”؛ وقال آخر: “ياريت كمان الإعدام فوراً، ‏أفسدوا أجيال وشوهوا الذوق العام للشارع” وقال ثالث “أكيد مع الوقف والشطب والسجن كمان”، ورابع يطالب ب”تجريم من يشغل أغانيهم في المحلات أو السيارات وأي مكان”.

المغردون على “تويتر” لم يتركوا لفظاً استنكارياً إلا واستخدموه تعبيراً عن رفضهم لهذا اللون الغنائي وغضبهم من نجومه، بما في ذلك أسماؤهم الغريبة التي اختاروها لتكون محط إثارة جدل وكأنه لم يكفهم الجدل الذي تحدثه كلمات الأغاني ولا الضجيج الذي تحدثه ألحانها ولا الاشمئزاز الذي تثيره ملابسهم، بل وأحياناً قصات شعورهم.

الغريب أن هؤلاء الذين لفظتهم فئات اجتماعية والتفت حولهم فئات أخرى، واستخدمهم كثيرون كمجرد وسيلة لكسر الملل والروتين، بعد أن جاؤوا من المجهول ليطفوا على سطح المجتمع، لا يكفهم البلبلة التي أحدثوها، ويسعون قدر جهدهم لإثارة المزيد بسلوكياتهم وتصريحاتهم المتجاوزة أحياناً واستفزازاتهم التي نبتلى بها من حين لآخر، ولعل آخرها السيارة الذهبية اللون التي أطل بها بيكا على الناس مصحوبة بعبارة “الحاقد والحاسد في النار” وهو ما استفز خلق الله فتعرض لهجوم من متابعيه عبروا فيه عن رفضهم لكلامه وتجاوزه، وهذا التعليق قد يعبر عن فحوى العديد من التعليقات، “الناس مش بتحسد ولا بتحقد.. الناس بتستعجب على الزمن مش أكتر”.

وفي تصريح لصحيفة “الوطن” أكد سكرتير الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالغرف التجارية نادي نجيب، إنه لا يوجد إمكانية لطلاء السيارات بماء الذهب، قائلاً: “كذب.. مفيش ماء ذهب بيثبت على الصاج، ولون سيارة حمو بيكا الذهبي، عبارة عن مسحوق لون ذهبي، وما يحدث لا يخرج عن كونه “شو” إعلامي”.

هذا أحد “شوهات” بيكا الذي قدم أوراقه لنقابة الموسيقيين بعد قرار المنع، متضمنة “شهادة محو أمية”، ليؤكد انعدام التعليم والثقافة والوعي لدى العديد ممن يشكلون وجدان شبابنا وفتياتنا، وكل ذلك يحدث أمام أعيننا ونحن لا نزال نبحث عن مبررات الانحدار القيمي والأخلاقي الذي أصاب بعض شبابنا.

بيكا ورفاقه لن يتوقفوا عن الغناء، ولم يحدث من قبل أن استطاع أحد إلغاء لون غنائي أفرزه المجتمع، ولكن فقط لتقليل خسائرنا من هذه الموجة، لا حل سوى تنظيمها وإخضاع نجومها للوائح الغناء المعمول بها في الدولة، وإخضاع أغنياتهم للمعايير الرقابية قبل إجازتها، أملاً في أن يحد ذلك من تأثيراتها السلبية على المجتمع.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.