رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد فراج .. ممثل يمتلك قدرة فائقة على مفاجأة الجمهور

يعشق المسرح والكوميديا

بقلم : محمد حبوشة

الممثل الجيد هو الذي يقنعك أن ما تشاهده هو حقيقة واقعة، ولطالما بكى الناس أو فرحوا أمام خشبة المسرح أو شاشة السينما والتليفزيون، وباختصار، فإن الممثل الجيد لا يظهر أو لا يحس كفرد من خارج المشهد التمثيلي، وقد يكون أقرب تشبيه للممثل الجيد من عالم السيارات، فالسيارة الجيدة هى التي تؤدي وظيفتها وتنقلك إلى مكان عملك ومنه، دون فرض حضورها الثقيل عليك، فلا تحس بصلابة الدولاب غير العادية، أو الانحراف المستمر للعجلات إلى ناحية دون ناحية، أو بحرارة المحرك المبالغ فيها تنتشر إلى جميع أنحاء السيارة، ويمكن التعرف على الممثل الحقيقي من خلال علامات معينة، من بينها ، يتمثل العامل الرئيسي في القدرة على التعود على الدور، حتى أن هناك (طريقة غمر) خاصة طورها ستانيسلافسكي قائلا: يسعى الشخص المنغمس في دور ما إلى الاقتراب قدر الإمكان من شخصيته، بحيث أنه من المستحيل التمييز بين اللعبة والحياة الواقعية، بالطبع، هذا يتطلب مهارة وتجربة معينة والعمل الداخلي على الذات.

وهذا هو المنهج الذي يسير عليه ضيفنا في باب (في دائرة الضوء) النجم الشاب (محمد فراج)، فالممثل لديه هو من يمكنه أن يوصل لك روح الدور ويجعلك تشعر بجودة تعليمات الإخراج، وهو من يجعلك ترى الحوار حقيقيا وتستكشف جودة الكاتب، هو من يجعلك تضع يدك فوق جودة أو إخفاق ملموسين يمكنك ببساطة اكتشافهم حتى إن لم تكن متخصص في الفن، وتقيم الأمور من منظور عين المشاهد، لذا تألق (فراج) في 4 مسلسلات في موسم رمضان الحالي، صحيح أنه قدم دور الخائن في ثلاثة منها، لكنه برع في أدائه بحيث يقنعك بأنه لايمثل شخصية بعينها، بل أنه يولد لديك شعور بأنها هى شخصيته الحقيقية، أو ثمة تماس كبير بين الشخصية التي يجسدها وشخصيته في الواقع، فهو يملك قدرة فائقة على التقمص.

أتقن دور الشيخ السلفي بطريقة مذهلة

ومحمد فراج، هو واحد من أولئك الممثلين الذي يجيدون فن التقمص، فحين يقبل على دور يتلبس الممثل داخله شخصية مختلفة عن شخصيته، ويعيشها بشكل يقنع المشاهد أن ما يحدث أمامه حقيقيا، تماما كما حدث مع شخصيتي (مؤنس) في مسلسل (لعبة نيوتن)، وشخصية (كريم) في مسلسل (ضد الكسر) وفي شخصية (أحمد) في مسلسل (خلي بالك من زيزي)، وحتى في مشهده الوحيد كإرهابي في (الاختيار 2)، وهكذا نستطيع القول بأنه قد نجح في أداء أدواره في كل تلك المسلسلات على جناح التنوع، بل إنه استطاع إيصال رؤية الكتاب التي أرادها ورسمها للشخصية على الورق، ليتلقاها المشاهد مستعينا في هذا بكافة أدواته، بصوته ونبرته وارتفاعه، بملامح وجهه، بحركة جسده، وحتى في بعض الأحيان بالانطباع النفسي الذي يتركه لدى المشاهد، ليؤكد لك أن التمثيل هو أن يستطيع الممثل أن يقنعك بواسطة أدائه الجيد أنه غير الحقيقي هو حقيقي تماما، وممكن على هذا النحو الذي ظهر به.

طوال الوقت ومن خلال مراقبتي لكل أعماله وأنا ألاحظ أن (محمد فراج) يعمل على اشتغال الأداء التمثيلي للشخصيات المؤنسنة ومواصفاتها النباتية، الحيوانية، الجمادية، الفنتازية، وأبعادها السيكولوجية – الطبيعية – الإجتماعية، بوصفها شخصيات خيالية تمتلك الصفات الإنسانية في الحركة والصوت، عبر اشتغال الأداء على فعل التقمص واللعب ومحاكاة الأفعال الخارجية للشخصية وهيأتها ومقاربة الممثل لها في تعبيراته الجسدية – الصوتية، مستخدما أدوات الممثل التعبيرية في الحركة والصوت وما تمثله من إيماءات وحركات انتقالية وموضعية تنسجم مع إيقاع الشخصية المؤنسنة الحركي والسمعي والبصري، وأنه فعل في اشتغاله الأدائي على الشخصية المؤنسنة الجوانب الحركية والإيمائية دون مبالغة، وفي فعل المحاكاة الخارجية لشكل الشخصية المؤنسنة، على مستوى الإحساس وطبيعة تلك الشخصية، شريرة – طيبة، عبر التنغيم والنبرة ، فضلاً عن استحضار الصوت الحقيقي للشخصية المؤنسنة، كما فعل ذلك في شخصية (مونس) بمسلسل (لعبة نيوتن) تحديدا.

مواجهة مع نيللي كريم في (ضد الكسر)
تور حوله الشبهات في (ضد الكسر)

ليس هنالك شك في أن أدائه لشخصية (كريم) في (ضد الكسر) كان بديعا للغاية وكذا في (أحمد) في (خلي بالك من زيزي)، لكن شخصية (مؤنس) تعد علامة فارقة ليس في مشواره فحسب، بل على مستوى الموسم الدرامي المفعم بالإثارة هذا العام ووسط منافسة شرسة استطاع (محمد فراج) أن يثبت أنه موهوب حقيقي وأكد أنه نجم من العيار الثقيل، وخاصة أنه أثبت بالتجربة العملية أن الممثل البارع هو من يلعب دوره بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة، وفقًا للمخرج والمشرف الفني (ماركوس): أن أداء الدور بعيدا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به ، تأمل جيدا كيف ردة فعله في كثير من المواقف العصيبة من خلال جلده وصبره وتحمله لعصبية (هنا)، هنالك عدد كبير من الانفعالات الإنسانية التي يمكن أن يتقمصها الممثل في هذه اللحظة، ولكن مهمة الممثل الجيد فهم هذا الطيف الواسع من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي يؤديها، ومن ثم اختيار الأداء الأنسب، عدا ذلك يتحول الممثل إلى شخصية مملة تكرر انفعالاتها بشكل مبتذل.

أتقن دور الشيخ السلفي بطريقة مذهلة
(مؤنس) ينصت لأنات وأوجاع (هنا) في (لعبة نيوتن)

الممثلون المحترفون متعبون، غالباً، احترافهم واختباراتهم الجمة تقف حائلاً دون العفوية، لكن الأمر اختلف كثيرا عند محمد فراج مع شخصية (مؤنس) فكان مدهشا بعفويته وبساطته، بتصرفه العادي والسلس، لا يتصنع أداء، لا يُبالغ في سلوك، يحافظ على هدوئه، يريد الظهور، ومع ذلك فالأنانية والتعجرف لا يزالان غائبين عن ذهنه تماما، ورغم أن الانكشاف العاطفي يعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بها القدرة على (التعري العاطفي)،  أي استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة، لكن الأمر اختلف مع (فراج) وربما هذا لم يدفعه كممثل إلى تزييف ردود فعله واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، مما يضع حاجزا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضًا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة.

ممثل قادر على لعب مختلف الأدوار
في بداياته الناضجة

هو صاحب مقولة (أبقى زي الفراشة بتنقّل من وردة لوردة، آخد منها الريحة والعسل وأروح وردة تانية)، تلك  الجملة سبق أن قالها (محمد فراج) في مقابلة مع النجمة إسعاد يونس ضمن برنامجها (صاحبة السعادة)، في إطار تأكيده على أن سحر الممثل يظهر عند اختلاف أدواره، يومها، شدد الفنان المجتهد على أنه لا يحب حصر نفسه في أدوار معينة، وأنّه يرغب في أن يكون مؤثرا في مهنته عن طريق تحقيق المتعة لنفسه وللمشاهد الذي يصدق الشخصية التي يلبسها. ولعل حضوره في رمضان 2021، دليل واضح جداً على هذا.

طريق محمد فرّاج لم يكن مفروشاً بالورود، بل هو صاحب مشوار من التعب والشقاء والمثابرة والاشتغال على النفس، فبعد الثانوية العامة، قرر مشجع النادي (الأهلي) لكرة القدم الالتحاق بمعهد السينما، ما شكل صدمة لأسرته، لذا لم يبق هناك طويلا، قبل أن يلتحق بكلية التجارة ويشارك في أعمال على المسرح الجامعي، ثم انضم إلى ورشة (مركز الإبداع) في دار الأوبرا ليتخرج ضمن مجموعة من الشباب، والبداية كانت على الخشبة في عام 2000، ليسلك بعد ثلاث سنوات طريق السينما من خلال فيلم (إوعى وشك)، ولأنه بداخله  ممثّل موهوب فقد آثر أن يؤدّي فروضه جيّداً، بحيث يبدو قادر على إقناع المشاهد بكل الأدوار التي يؤدّيها.

صحيح أنه قد يوحي بأنه لا يبذل الكثير من الجهد لفعل ذلك، غير أن الواقع مغاير تماما، وهذه نقطة تسجل لمصلحته طبعا!، فمحمد فراج فنان يطوّع كل أدواته (الجسدية والتقنية) في سبيل الشخصية، متسلحا بحضور قوي وعزيمة على التطور والتجديد، ناهيك عن الملامح الطبيعية والقريبة من الناس العاديين في قلب الشارع المصري، البعيدة كل البعد عن لوكات بعض أبطال الأعمال الهجينة الذين حولهم مبضع طبيب التجميل إلى أشباه (كين)، زوج (باربي)!، لذا تجده يتنقل مثل فراشة رشيقة بين التراجيديا والكوميديا والأكشن والمغامرة، ويحرص على أن يكون انتقاله بمزاج عال وبثقة كبيرة وإيمان عميق بأن لكل مجتهد نصيب، سواء على المسرح الذي بدأت موهبته تتفجر على خشبته، أو على  الشاشة الصغيرة أو الكبيرة.

في الممر

إنّه المدمن المتعافي (آدم) في (قابيل)، الموسيقي الحساس (علي بحر) في (أهو ده اللي صار)، العسكري (هلال) في (الممرّ)، المجرم (سيّد) في (الصندوق الأسود)، كما أنه مهووس بالتجسس من خلال الموبايل والكمبيوتر (سوني) في (هذا المساء)، وهو (رجب الفرخ) في (بدون ذكر أسماء) والأخيرين حملا توقيع المخرج تامر محسن الذي اتضح من خلال تعاونه معه أن بينه وبين (فراج) كيمياء خاصة، فضلا عن انسجام مهني كبير وجلي، ترجم في سلسلة من الأعمال، منها: (تحت السيطرة، قط وفار)، وصولا إلى (لعبة نيوتن) التي ظهر فيه بشكل أكثر نضجا وأداء ويبرهن على أن الموهبة الحقيقية تتجلى من ورق محكم ومخرج يملك القدرة على التحكم في كافة عناصر العمل الفني كما بدا لنا من انسجام تامر محسن ومحمد فراج.

في هذا المسلسل الذي تولاه تامر محسن كتابةً وإخراجا، يطل فراج بدور (مؤنس) وهو محام مصري سلفي مقيم في الولايات المتحدة، حيث يدير مجموعة من المشاريع الناجحة، وراء قناع الطيبة والاحترام والرغبة في فعل الخير ومساعدة الآخرين، وقد أثارت الشخصية قلق المتابعين بسبب نظراتها (المريبة) لـ (هنا منى زكي)، فيما يبدو أنّ سيكون لـ (مؤنس) دور أساسي في الأحداث، أما في (ضدّ الكسر) فنراه بثوب (كريم الدمنهوري) الذي يعمل في مجال العقارات ويظل طويلا على رأس قائمة المشتبه فيهم في محاولة قتل زوجته المدوِّنة المتخصّصة في مجال الطعام (سلمى/ نيللي كريم)،.

وفي مارثون رمضان أيضا يحل محمد فراج ضيفا على بعض حلقات (خلّي بالك من زيزي)، من (تأليف مريم نعوم، فكرة وسيناريو وحوار منى الشيمي وإخراج كريم الشناوي)، وفيه يؤدي دور شخصية جذابة وكوميدية، هى الممثل المعروف وأستاذ التمثيل (أحمد)، فيه صفات مشتركة بين الفنانين عموما، كالمزاجية والحساسية، إلا أنه في الوقت نفسه يقدس المواعيد ومهووس بالتفاصيل، وعلى خط مواز، يطل فراج ضيف شرف في الجزء الثاني من مسلسل (الاختيار 2)، (تأليف هاني سرحان، إخراج بيتر ميمي)، في دور المهندس (شاكر) واسمه الحركي  (معتصم) الذي يظهره صناع العمل كـ (تكفيري) منتم إلى (خلية مدينة نصر) الإرهابية.

يكشف عن شخصيته الحقيقية في حوار تليفزيوني

بدأ (محمد فراج) مشواره في مجال السينما والتلفزيون بأدوار بسيطة مثل دوره في فيلم (أوعى وشك عام 2003)، و فيلم (الرهينة – 2006)، وشارك عام 2009 في حلقة من سيت كوم (تامر وشوقية – الجزء الثالث)، وقدم فيه أداءا متميزا مما شجع المخرج على توسيع مساحة شخصيته في العمل فأكمل الموسم مع أحمد الفيشاوي ومي كساب، وفي نفس العام شارك في مسرحية (نص ساعة هاملت)، كما شارك في مسرحية الكوميديا السوداء الناجحة (قهوة سادة)، والتي حضر أحد عروضها الفنان أحمد حلمي ومجموعة من الفنانين، لفت أداء محمد فراج نظر أحمد حلمي فعرض عليه المشاركة في فيلم (1000 مبروك) وهذا ما حصل.

بعد ظهوره المميز في مسلسل (الجماعة) شارك محمد فراج عام 2011، في مسلسل (المواطن إكس)، بطولة (عمرو يوسف وأمير كرارة)، وإخراج محمد بكير وعثمان أبو اللبن، كما شارك في نفس العام في فيلم (فاصل ونعود) مع كريم عبد العزيز وأحمد راتب و من إخراج أحمد نادر جلال، أما عام 2012، فقد شهد مشاركته في فيلمي (تيتة الرهيبة، والمصلحة)، ومسلسلي (شربات لوز، وطرف تالت)، وفي عام 2013، شارك في فيلم (هرج ومرج)، كما شارك في مسلسل (بدون ذكر أسماء) مع أحمد الفيشاوي وحورية فرغلي وروبي، والذي عرض في موسم رمضان من هذا العام، كما قدم أول بطولة فردية له في فيلم (القشاش)، وفي عام 2014 كان له مشاركة واحدة في مسلسل (عد تنازلي).

أبدع في مسلسل (تحت السيطرة)

في عام 2015، شارك (فراج) في مسلسل (تحت السيطرة) بدور علي، وفيلم (قط وفار) بدور حمادة الفار، وفي عام 2016، شارك في مسلسل (الميزان) بدور محسن، وفيلم (هيبتا) بدور محمود الدرديني، وفي عام 2017،  شارك في مسلسل هذا المساء بدور (سوني) و مسلسل (الحصان الأسود) بدورعمرو جابر، أما في رمضان 2019، قدم محمد فراج مسلسل (قابيل) حيث جسد شخصية (آدم) المدمن المتعافي الذي تم اختطافه وقتله، ليكتشف الجمهور بعدها أنه لم يمت بل هو من خطط لكل ما يحدث، كما قدم في نفس العام مسلسل (أهو ده اللي صار) بدور(علي بحر) المطرب في فترة العشرينيات المتأثر بالفنان سيد درويش، والذي عاش ومات يحب فتاة واحدة وفي هذا المسلس أوصل محمد فراج مشاعر الحبيب الذي يعاني من بعاد حبيبته بأداء مميز وضعه على خطى النجومية بثبات كما أكدها مؤخرا في (لعبة نيوتن وضد الكسر).

تحية تقدير واحترام لصاحب الموهبة الكبيرة النجم (محمد فراج) الذي أمتعنا في رمضان 2021 .. متعه الله بالصحة والعافية لتحقيق كل ما يصبو إليه في فن التجسيد الحي، ولذا ألفت نظر شركات الإنتاج والمخرجين إلى ضرورة الانتباه إلى تلك الموهبة الفذة والواعدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.