رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حامد مرسي وكارم محمود وقنديل واسماعيل ياسين يتحدثون عن زكريا أحمد

كتب : أحمد السماحي

لم يتأثر الشيخ (زكريا أحمد) الذي نحيي هذه الأيام ذكرى رحيله الـ 60 ببريق الموسيقى الغربية وآلاتها ولم يحاول أن يتشبه بالغرب في أساليبهم الموسيقية، لأنه كان يعتز بعروبته وقوميته، ولم يجرفه تيار التحديث أو الاقتباس.

وتقول الدكتورة إيزيس فتح الله في كتابها التوثيقي عن الشيخ (زكريا أحمد): أنه جدد في تلحين قالب الطقطوقة عام 1930 وذلك من خلال طقطوقة (اللي حبك يا هناه) لأم كلثوم، فجعل لحنا للمذهب ثم لحنا لكل غصن، كما جدد فى تلحين القصيدة مثل قصيدة (قولي لطيفك ينثني) لأم كلثوم حيث نوع في ألحانها وفقا لأحداثها.

كما أدخل زكريا أحمد على غناء (أم كلثوم) تجديدان أولهما: القصة الملحنة مثل أغنية (أهل الهوى)، ثانيا: إدخال الجمل الكلامية أثناء غناء اللحن مثل (قوللي ولا تخبيش يا زين).

الحديث عن ما فعله الشيخ زكريا أحمد يحتاج منا صفحات كثيرة خاصة تطويره للغناء المسرحي والسينمائي، وهنا نتوقف مع بعض مطربينا الكبار الذي لحن لهم وهذه شهادتهم وذكرياتهم معه:

حامد مرسي او بلبل مصر في العشرينات

لحن عشر سنوات للشحاذ

فى البداية نتوقف عند بلبل مصر في العشرينات المطرب الكبير (حامد مرسي) الذي غنى من ألحان الشيخ زكريا أحمد عشرات من الأغنيات المتنوعة عن كيفية تعرفه بشيخ الملحنيين يقول: عرفت (زكريا أحمد) فى عام 1920 وكان يومئذ منشدا في بطانة الشيخ (علي محمود)، وكانت حفلات الشيخ (علي محمود) وسهراته مقصد هواة الفن وملتقى الشباب المتحمس للفن، وكنت أذهب إلى هذه الحفلات بصحبة المرحوم الشيخ (يونس القاضي) الذي قدم للمسرح روائع المسرحيات المحلية، وكان الشيخ (زكريا) فى هذه المرحلة قد خرج بألوان جديدة مثل (إرخي الستارة اللي في ريحنا) وقد نجحت هذه الأغاني نجاحا يفوق كل وصف حتى أن مطربات ذلك العصر كن يتمسكن بأن يلحن لهن الشيخ (زكريا) ومنهن السيدة (نعيمة المصرية) التى كانت من أخطر منافسات (منيرة المهدية).

ولما توفى الشيخ (سيد درويش) عرضت على (زكريا أحمد) أن يحل مكانه في التلحين لفرقة (علي الكسار)، ووافق الشيخ (زكريا) وكذلك رحب (الكسار)، وكان أول عمل بيننا جميعا بحكم كوني مطرب الفرقة أوبريت (الطمبورة) الذي لاقى نجاحا كبيرا.

وكان أجر (زكريا) فى اللحن الواحد جنيهين زيدا بعد نجاح رواياته إلى ثلاثة جنيهات، وكان هذا أجرا سخيا جدا في هذا الوقت، وقد لحن (زكريا أحمد) لفرقة (على الكسار) أكثر من ثلاثين أوبريت، كانت من أروع الأعمال المسرحية الموسيقية، ويا حبذا لو عنيت الهيئات الفنية بالبحث عن أصول هذه المسرحيات وألحانها وأعادت عرضها من جديد.

وأذكر أننا كنا نسير ذات ليلة في شارع (عماد الدين) فإذا بنا نسمع أحد المتسولين يغني بصوت جميل، وعندما جلس الرجل على الأرض، جلس (زكريا) إلى جانبه، ودار بينهما حديث عن النغمات الموسيقية، وقد عقدت الدهشة لساني لجمال المناقشة التى كانت تدور بين (زكريا والشحاذ)، ولما عرف الأخير من يكون الذي يتحدث إليه طلب منه أن يلحن له بعض قصائد من تأليفه تشرح مأساته، وتحث الناس على مد يد المساعدة إليه.

وفى اليوم التالي كنا (أنا وزكريا) نبحث عن هذا الشحاذ حيث أن (زكريا أحمد) قد فرغ من تلحين قصيدتين له، وكنا نسير وراء هذا الشحاذ وهو يغني هاتين القصيدتين، وكان إذا خرج عن النغمة الصحيحة نبهه (زكريا أحمد) إلى خطئه، وقد زاد إيراد هذا الشحاذ بسبب غنائه حتى أنه عرض على (زكريا أحمد) أن يقاسمه الأرباح، نظير تلحين بعض الأغنيات الجديدة، ولكن (زكريا) رفض أن يتقاضى منه أي شيئ نظير ألحانه إليه، وقد ظل هذا الشحاذ يغني من ألحان (زكريا) في الشوارع أكثر من عشر سنوات، ثم اختفى فجأة دون أن نعرف سر اختفائه!.

وكان الشيخ (زكريا أحمد) مصرا على أن يدرب الفرقة على الغناء على الغناء فإذا سمع نقدا ما غير اللحن، ومرة اعترض أحد أصحاب الفرق على لحن أغنية لي من ألحان أوبريت (إمبراطور زفتى) ووافق (زكريا) على التغيير وعبثا حاولت إقناعه بجمال اللحن، لكنه أصر على التغيير طالما صاحب الفرقة يريد هذا، فما كان منى إلا أن وقفت تحت (فانوس نور) أغني اللحن، وتجمع الناس واقتادنا عسكري الدورية إلى القسم فقد كنا في ساعة متأخرة من الليل، وروينا القصة للضابط المسئول، فطلب مني أن أغني اللحن بصورته القديمة، وطلب من (زكريا) أن يغنيه بالصورة الجديدة، ويعجب الضابط باللحن كما غنيته، ويبتسم الشيخ (زكريا أحمد) قائلا: خلاص يا شيخ حامد مدام الحكومة مبسوطة تبقى تغنيه بالشكل اللي عجبك.

محمد قنديل

حكايته مع السيد قشطه

حكى المطرب الجميل (محمد قنديل) حكيته مع الشيخ فقال: دعيت مرة لإحياء أحد الأفراح فى الأربعينات، وهناك التقيت بالشيخ زكريا أحمد الذي كان من بين المدعوين، وما كدت انتهي من الوصلة الأولى حتى نظر الشيخ إلى المسرح وقد عاوده الحنين إلى الغناء وجلس أمام الفرقة الموسيقية يغني من كل قلبه والناس يتمايلون من الطرب والبهجة، غير أن شخصا سمينا ثقيل الظل كان ثملا راح يغني مع الشيخ (زكريا) بصوت كريه، فسكت الشيخ وعندما طلب منه الحاضرين أن يكمل غناه قال: (لما يخلص سيد قشطة ده اللي بيغني بصوت قبيح)، وأثارت إجابته ضحك المستمعين.

كارم محمود

شيخ الملحنيين

يتحدث المطرب الكبير (كارم محمود) عن الشيخ زكريا فيقول: كان زكريا أحمد شيخا للملحنين بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فكان أمينا على إظهار الطابع الشرقي في كل أعماله الفنية بغير تصنع، فقد كانت هذه طبيعته، وهو لم يتأثر إطلاقا بالموسيقى الغربية فلم نسمع في يوم من الأيام أنه أضاف جملة واحدة من الموسيقى الغربية إلى ألحانه.

وكان الشيخ زكريا أحمد أول من طور الأغنية فبعد طريقة المذهب والكوبليهات المتشابهة أصبح يلحن كل كوبليه يختلف عن سالفه كما أنه جعل العروض والقوافي فى الأغنية خاضعة تماما للأوزان والانطباعات الموسيقية.

التقيت به عام 1956 حيث لحن لي أيام العدوان الثلاثي (ياريتني من بورسعيد)، ثم لحن لي (أنا حر يا بلادي) وبعدهما أغنية (علشان قلبي بيهواك)، وكانت آخر أغنية من ألحانه (دموع الفرح) وقد توطدت علاقتي به بعد ذلك، ومرة زارني بمنزلي ليحفظني لحنا جديدا للإذاعة تحدد موعد تسجيله، وكانت مجرد زيارته تصرفا يدل على تواضع هذا الملحن الكبير بعكس ما يحدث من بعض الملحنيين الذين كانوا أقل منه علما، ومكانة ومقدرة.

وما كاد الشيخ يجلس حتى أمسك العود وراح يدندن، ويتحدث من الساعة السادسة مساء إلى الرابعة صباحا حتى نسينا أنفسنا ونسينا اللحن الذي جاء يحفظني أياه ونسينا موعد تسجيل الأغنية.

إسماعيل يس

حديثه الممتع

نجم الكوميديا إسماعيل ياسين غنى للشيخ زكريا أحمد العديد من المونولوجات النقدية ويتذكر حكايته مع الشيخ فيقول: غنيت من ألحان (زكريا أحمد) عدة مونولوجات صادفت نجاحا فنيا وجماهيريا كبيرا منها (يا أهل المغنى، يا لطيف، ما تيجي) وغيرها، وقد كانت أسعد لحظات حياتي هى التى أرافق فيها الشيخ زكريا في سهرة، فقد كان حديثه الممتع الشيق يأسرني باستمرار وكانت روحه المرحه لا تفارقه.

عدنا ذات ليلة فى بداية الأربعينات بعد سهرة في مصر الجديدة عدنا مشيا على أقدامنا دون أن نشعر بتعب إلى ميدان باب الحديد في ثلاث ساعات كاملة قطعها الشيخ فى حديث ممتع جذاب، ومرة كنا فى طريقنا إلى سهرة فركبنا عربه حنطور غير أن بعض معارفه لمحنا فنادى علينا وأوقف العربة، وأخذ هذا الرجل يتحدث مع الشيخ (زكريا) ويطيل الكلام فى موضوعات تافهة، فما كان من الشيخ إلا أن التفت إلى العربجي قائلا: يا أسطى أعمل قهوة للأستاذ! فأحس الصديق بتلامته وانصرف وانصرفنا إلى سهرتنا نمتع قلوبنا وأذاننا بغناء الشيخ وحديثه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.