رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كلام x الإعلام (16)

بقلم : علي عبد الرحمن

شاء الله ونحن مهمومين بتوالي خيبات إعلامنا في إرضاء مواطنينا بالداخل أو إطلاع العالم بالخارج أو صد كيد أعداء الوطن داخليا وخارجيا أو العمل بمهنيه مثل سائر إعلام الأمم أو الإيمان بالتخطيط والرؤي الاستراتيجيه، أو حسن استغلال مقومات الوطن إعلاميا أو إسترداد جزء ولو يسيرمن سابق ريادته وعظيم مجده، أن يحين أجل السيد صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق، تاركا المشهد المرتبك والإعلام المنشغل والساحة خاوية علي عروشها.

وسواء اتفقنا أو اختلفنا على الراحل وهو بين يدي العزيز الرحيم، دعونا نربط هموم المشهد الحالي بما كان عليه نفس المشهد تحت قيادة الراحل صفوت الشريف، كان لدينا منظومة إعلامية رائعة ضمت إعلامنا قوميا يخاطب أهل مصر بوعي وتقدير لمتطلبات الشارع ورغبة السياسيين، وظهر من خلال بث هذا الإعلام القومي نجوم التقديم والإعداد والإخراج وقدموا أنماطا إعلامية غطت شاشات المنطقة باكملها، وقدم تنوعا إعلاميا لكل الموضوعات ولكل الشرائح .

فقدم إعلامنا توعية للمزارعين في (سر الأرض)، وقدم توعية لمحو الأمية في (اتعلم اتنور)، وقدم حفاظا علي اللغه في (لغتنا الجميله، وقل ولا تقل)، وقدم إنتاجا للأسرة وللمرأة والفتاة وللطفل والشباب وللصفوة والمهاجرين، ثم وطبقا للتخطيط الاستراتيجي لقطاع الإعلام ضمن خطط الوطن الاستراتيجية أيضا، وليست منفصلة عنه كما نحن الآن.

قدم منظومة الإعلام الإقليمي (قنوات ومحطات إذاعية، ومراكز الإعلام الداخلي) بهدف التوعية والتنوير والتوظيف وتطويع المنتج الإعلامي لخدمة المجتمع المحيط، وكان ذلك بهدف استراتيجي غير معلن وهو شغل بعض الترددات الخاليه ضمن الطيف الترددي لمصر، والذي كان علينا أن نشغله أو تشغله دولا حولنا فكان قرار إطلاق منظومة الإعلام الاقليمي، ثم جاءت الحاجه إلى إعلام فضائي دولي فتم إطلاق الفضائيات الرسمية تواصلا مع الآخر، وربطا لأبنائنا في ربوع المعمورة وكانت له رسالة واضحة ومغايرة عما يذاع للداخل حفاظا علي صورة مصر ومكونات نسيجها وكرامة مواطنيها، فلم يذع برنامج عن احتياج أهل مصر أو فقرهم أو معاناتهم المعيشية احتراما لكرامة من بالخارج، رغم أنه سمح ببث كل ذلك في إعلام الداخل.

وفي عهده سيطر الإنتاج المصري (غناءا، ودراما)على شاشات البث في المنطقة بأسرها، فقدمت منظومة الإنتاج المصرية (صوت القاهرة، قطاع الإنتاح، مدينة الإنتاج) خيرة الأعمال الدينية والتاريخية والوطنية التي اختفت الآن، والتي دعمت الوازع الديني والانتماء للوطن ورسخت الهوية.

كما قدم إعلام تلك الفترة أفضل برامج المنوعات والفوازير والإنتاج المتنوع الضخم، فأين نحن منه الآن مع تقدم التقنيات وزيادة النفقات وكثرة الشاشات والوسائل، ولم يقف حلم الوطن آنذاك عند هذه المنظومة المتكاملة (إعلام اقليمي، وقومي، ودولي)وجهات انتاج كبيرة، بل تعدي الحلم ذلك إلى دخول عصر الأقمار الصناعية، فكان النايل سات في جيله الأول فكرة سباقة وريادة فاعلة نقلت مصر إلى عصر الإعلام الخاص.

وانطلقت منظومة الإعلام الخاص (دريم،المحور،mb،art) وغيرها من القنوات والشبكات، وانتعش سوق الإنتاج والبث وتعاظمت شركات الإنتاج الحكومية والخاصة والتي تم القضاء عليها الآن في عصر الاحتكار والسيطرة على روافد العمل الاعلامي من انتاج وبث وتسويق وإعلان،وحقوق، وجاءت باكورة مدن الإنتاج العربيه لتنتج وتبث قنوات وتقدم أعمالا ومواهب وتسود المنطقة وها هى تصبح الآن مكانا للبث فقط وتقدمت عليها مدن الإنتاج العربية في دبي مثلا ومناطق التصوير المفتوحه في المغرب والأردن.

وقدم إعلام تلك الفترة بوعي سابق لآوانه، شركة الـ cne لإعادة توزيع القنوات الفضائية، إضافة إلي الإنتاج الغنائي لصوت القاهرة ومصنع الكاسيت والوسائط بالاسكندرية وتحديث متتالي لشبكات البث وخطوط الفايبر وتوفير بدائل بث احتياطي للبث المرئي والمسموع في تخطيط رائع يراعي حاجة الوطن وأهله ومتطلبات المشهد الإعلامي وصناعه.

وقدم إعلام تلك الفتره أيضا المهرجانات الإعلامية الدولية وأسواق المنتجات الاعلامية ومعارض المعدات والأجهزه، ولم ينس ضمن خططه الاستراتيجيه التدريب للعنصر البشري فكان معهد الإذاعة والتليفزيون للتدريب ومعهد التدريب للأفارقه ومئات البعثات للكوادر في كل دول العالم  للاطلاع والتحصيل  ونقل الخبرة.

كل ذلك وعينه علة حاجة الوطن وتطلعات المواطن ومقتضيات العمل الإعلامي وتحديثه وريادته، هذا فقط في مجال الإعلام المرئي والمسموع وهناك إنجازات أخري في مجال الإعلام المقروء والنشاط الإعلامي بالداخل والخارج من خلال كتائب هيئة الاستعلامات وأعياد للإعلام، وإحياء سير القمم والرواد وإشراك الكوادر في منظومة الإدارة الاعلامية  وفتح مجالات العمل للقطاع الخاص، وتزويد دول المنطقه بالانتاج المصري المتنوع الذي أرشف ثقافة معرفة وحب مصر ونشر لهجتها، وعظم قوتها الناعمة وحبب فيها خلق الله من حولنا.

وفوق كل ذلك وثق للإعلام في موسوعة الإعلام المصري وخطط لمتحف الإنتاج الإعلامي وسارع في نقل التراث المصور قبل تلفه أو تقادم أجهزته، بل وكان يزود دولا بإنتاج مصريا بدون مقابل كـ (فلسطين، وموريتانيا، وجيبوتي، والصومال، وجزر القمر)وغيرهم انتاجا وتدريبا خدمة لقضايا الأمة ،ودعما لدور مصر وتوسيعا لنفوذ قوتها الناعمة.

كان الإعلام يعمل للوطن ومستقبله وأهله ضمن رؤي الوطن وخططه ليأتي زمن الرحيل لهذا الرجل مكبوتا متحسرا علي ضياع معظم الانجازات، فإعلام الدولة فقد بريقه والإقليمي فقد مذاقه والفضائي فقد بوصلته، والإنتاج فقد محتواه وتنوعه وهيئات الإنتاج تفككت، واختفت ومدن الإنتاج تقزمت وانزوت والتدريب ضاعت محاوره والأقمار ازدحمت بها السماء وفعاليات الإعلام أصبحت تراثا لاينظر إليه والبعثات أصبحت أمرا مخجلا، وتطوير الشاشات أصبح عبئا لا يطاق وإشراك الكوادر أصبح لعب عيال، وتنوع المنتج الإعلامي أصبح رفاهية والريادة أصبحت أضحوكة.

وذلك بعدكا أصبح التخطيط منكرا والرؤي أصبحت فذلكة وساد الإعلام غير أهله،وتخلف الركب وتقدم عدم الرضا والمهنية وأصبحنا بعيدين عن أصول ممارسة المهنة وقواعد التنافس ومواصفات المهنية، وتقدمت دولا ووسائل مشهد البث والإنتاج والريادة كل حسب ماخطط له، فمن من ساد صناعة الأخبار والوثائقيات ومن من احتل مركز المنوعات والإنتاج الضخم ومن من تبوأ مقعد الإنتاج الدرامي التاريخي والديني، ومنهم ومنهم، وأصبحنا متفرجين علي الأوائل من حولنا رغم أننا الأكثر عددا في الوسائل والأكبر حجما في الانفاق والأميز عددا في الكوادر والأولى مرتبة بمقومات الوطن.

ولكن حسب الوطن وأهله وإعلامه مايتحقق على الأرض من إنجاز بعيدا عن خيبات الإعلام المتتالية على أمل أن يصلح الله أمور إعلامنا التي انقرضت ويعوضنا عن رموزها الذين رحلوا لتعود ماكينات الإعلام للضخ بما يفيد الوطن وأهله بعيدا عمن يديرون المشهد الإعلامي من غير صناع المحتوي وواضعي السياسات التحريريه ومطوري خطط البث والانتاج.

رحم الله صفوت الشريف ورحم زمن الإعلام الرائد السباق وهيأ اللهم لمصر ما هو أفضل من خرائب البث الحالية .. وللحديث شجون وبقايا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.