رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

هادى الجيار .. وداعا أيها المشخصاتى العظيم

بقلم : محمد شمروخ

بات التعريف المقنع والواقعى لدي عن (النجومية) حاليا، هو أنها هو الفارق الوهمي العملاق ما بين القدرات الحقيقية وبين الشهرة التى يتمتع بها الشخص الموسوم بتلك النجومية!.

يمكنك أن تطلق هذا التعريف على كثير من النجوم في عالم الفن بكل قطاعاته، ليس كذلك فحسب، بل في كثير من المجالات غير المتصلة بالفنون.

قلت قولي هذا فور سماعي بنبأ وفاة الفنان الكبير الراحل هادي الجيار رحمه الله.

ولن أنزلق إلى الادعاء بأن هادى الجيار لم يأخذ حقه أو فرصته أو أي من هذا القبيل، فالجيار لم يكن قزما ولا مظلوما ولا سمعت أنه كان يوما شاكيا حظه، لماذا؟!

في اعتقادي أن الجيار كان مخلصا لعمله وأدائه لدرجة أنه أهمل من أجل ذلك في تحقيق النجومية!

وإياك إياك أن تظن أنى أقرن بين النجومية والنجاح.. لا وحياتك.. ولا حتى بين النجومية والقيمة.. وأزيدك يا مولانا: أنى في غالب من صادفتهم في مشوار رحلة الحياة وكانوا يوصفون بالنجوم، سواء في الفن أو في غير الفن، وغلاوتك عندي.. كانوا أقل بكثير من حجمهم لدرجة توغل في حدود التفاهة وتستشري فيها، إلى حد أننى كدت أصم كل نجم في أي مجال.. فن.. رياضة.. سياسة.. أدب.. فكر.. ثقافة.. إعلام.. مجتمع، بأنه تافه لمجرد أنه (نجم).

لكن عموما يجب أن أقرر أنه (مادام ليس كل تافه نجما، فكذلك ليس كل نجم بالضرورة هو من التافهين).

غير أنه تبقى حقيقة مؤكدة وهي أن النجومية يا صاحبي لا تعكس حقيقة حامل لقبها – وإن كان كثيرون استحقوها عن امتياز- ولكن على كثرتهم، ظلوا قليلين بين نجوم الكذب وسوبر ستار الهمبكة!.

لذلك أنا مقتنع تماما أن الأستاذ هادى الجيار فنان مبدع حقيقي، وهو لم يكن هملا ولا مجهولا، بل كان نجما من الذين استحقوا مكانتهم الجماهيرية عن جدارة، بل هو النجم الحقيقي الذي تزيد قدراته عما حققه من شهرة في هذا المجال.

وكنا جميعا نتندر بأن (لطفى) هو الوحيد الذي لم يحقق ما حققه كل من بهجت الأباصيري أو مرسي الزناتى أو أحمد اليتيم أو منصور بن الناظر، من طلبة مدرسة الأخلاق الحميدة، لكننا لم ندرك أن وجه هادي الجيار الذي نراه وقد التصق بذاكرتنا بأكثر من شخصية درامية متنوعة أبدع في كل منها إبداعا يبهرك بقدراته، تراه ممتاز في فرصة العمر 1976 والأستاذ سيد العربي في الراية البيضاء 1988 ومنعم الضو في المال والبنون 1992 وصبري العزايزي في الضوء الشارد 1998 وفطين عبد الوهاب في أبو ضحكة جنان 2009.

كل هذه الأدوار وغيرها تظهر فيها قدرات الجيار كمشخصاتى عظيم، فلعل  وصف المشخصاتى أقدر وأكثر مناسبة من لفظ الممثل، فالمشخصاتى بالرغم من أنها (كلمة دقة قديمة) إلا أنها أكثر تعبيرا عن الفنان، لأن التشخيص أقرب إلى الفن من التمثيل، فلو أن الممثل أشعرك بأنه ممثل لكان أوجب بأن يكون قد فشل في تقديم دوره، إلا أن المشخصاتى يعكس القدرة على التجسيد أكثر من الممثل.

هل فهمت قصدى؟!

فقد تنقل هادى بين كل أدواره ليشخص لنا شخصيات نجح فيها بامتياز رغم تناقضاتها الصارخة وفي كل دور لا نرى أي أثر لهادى الجيار الحقيقي.

أشرح لك أكثر:

فأنت ترى عادل إمام في كل أدوار النجم الكبير عادل إمام – أطال الله عمره ومتعه بالصحة – وكذلك كل من أحمد زكي وكذلك سعيد صالح ومثلهم يونس شلبي – رحمهم الله – فقد طغت نجوميتهم على أدائهم وإن ظلوا ممثلين كبارا وهم بالفعل على قدر كبير من الاستحقاق ولا نغمطهم حقهم، أما هادى فأقلهم حظا ونجومية ولكن كان أقدرهم على التشخيص!.

(تزعل.. تعترض.. أنت حر)

أختصر لك..  الحظ والشطارة و(أشياء أخرى) هى التى تصنع النجومية مع قليل أو كثير من الموهبة والقدرات الخاصة، فلا الموهبة ولا القدرات وحدهما يمكن أن تصنعا النجم ولكن هادى الجيار رحمة الله عليه اختار فدان الشطارة مديرا ظهره لقيراط الحظ ليفوز به غيره دون أن يعنيه ما سيجنيه صاحب الحظ من قيراطه، فقد انشغل هادى بحرث فدانه حتى مات محنيا على فأسه لاهثا وراء محراثه في مشوار العزق والحرث الطويل بعيدا عن دنيا الحظ، وعلى رأى زميله مرسي ابن المعلم الزناتى: (مازاجات حظوظ الدنيا مازاجات.. دنيا حظوظ)، لكن لطفى يمضى كل صباح ليرعى حقله ولم يهتم يوما بأنه يسير دائما في (شارع الضباب)!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.