رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الخالد في الأذهان والساقط من الذاكرة

بقلم : محمود حسونة

العمل الفني الجيد لا يصفق له الناس مرة واحدة، بل مرات ومرات، ويتم تكريم أبطاله مرات ومرات؛ وفي أرشيفنا الفني أعمال تعود إلى الستينات من القرن الماضي وما زال الناس يصفقون لها، جيلاً وراء جيل، رغم المتغيرات التي طرأت على حياتنا وجعلت مفردات الحياة تختلف بشكل كلي عما كانت عليه قبل ٢٠ عاماً، فما بالكم بما هو قبل ٦٠ عاماً او أكثر!

نعم، مفردات الحياة تبدلت وملامحها تغيرت، ولكن قوانين المشاعر والأحاسيس الإنسانية لم ولن تتغير، وستظل أفلام الإنسانيات خالدة وشاهداً لصناعها، ولن يختلف مفهوم الوطن وأحاسيس ومشاعر المواطنة عند إنسان اليوم عما كانت عليه في زمن الفراعنة، وسيظل الوطن هو الحاضن وهو الأمن والأمان والاستقرار وماضي الأجداد ومستقبل الأحفاد، وسيظل الدفاع عن الوطن وحماية مكتسباته هو عنوان العزة والكرامة.

لذا فمن الطبيعي أن يتعلق الناس بكل عمل فني وطني، ومن الطبيعي ألا نتوقف عن التصفيق لمسلسل “الاختيار”، وأن يتم تكريم أبطاله وصناعه مرات ومرات؛ وليس كثيراً أن يكرمه رئيس الجمهورية والقوات المسلحة الأسبوع الماضي، بعد أن كرمه الشعب بأشكال وألوان مختلفة وقت وعقب عرضه، وبعد أن كرمه المشاهد غير المصري والتف حوله وأشاد به على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن كرمه الإعلام المصري والعربي بمقالات واستطلاعات وإشادات متعددة خلال وبعد العرض، وسيتم تكريمه أيضاً من الأبناء والاحفاد بعد سنوات وعقود، والسبب لا يخفى على أحد وهو أنه عمل وطني إنساني مليء بالصدق والشفافية والوضوح من خلال أحداثه الواقعية، والتي استقبلها المشاهد مؤمناً بما تحمله من منطق ومستوعباً ما تتضمنه من قسوة في بعض مشاهده.

وقف أبطال “الاختيار” أمام الرئيس وقادة القوات المسلحة ومسؤولي الدولة وهم مرفوعي الرأس معتزين باتخاذهم الفن مهنة والإبداع هواية وحب الوطن يقيناً، وتحدثوا أمام الحاضرين للندوة التثقيفية للقوات المسلحة والمتابعين لها عبر الشاشات وكلهم فخر بعمل أنجزوه بحب وقناعة وإيمان، ليصل إلى الناس داخل مصر وخارجها بذات الحب والقناعة والإيمان، تحدث كل منهم وكله اعتزاز بأنه قدم للوطن شيئاً وتمنى أن يقدم المزيد والمزيد من مثل هذه الأعمال.

الرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث وللمرة الثانية عنهم وعن المسلسل ورسالة الفن الصادق، تحدث للمرة الأولى عقب عرضه مقارنا  بين النموذجين اللذين تخرجا من الكلية الحربية وانتسبا إلى قوات الصاعقة وانتمى أحدهما للوطن بأفعاله وأقواله ومشاعره وأصبح الدفاع عنه عقيدة ويقين لا يتزعزع وهو الشهيد احمد المنسي، أما الثاني فقد انتمى إلى جماعات التكفير والإرهاب واتخذ الوطن وقواته المسلحة وعناصر شرطته أعداءً، واتخذ من الإرهاب وسيلة لهدم الوطن والقيم والتاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر والمستقبل وهو الإرهابي هشام عشماوي الذي كان يستحق جزاءً أكبر من الإعدام لو كان ذلك متاحاً.

هذه المرة، تحدث الرئيس عن “الاختيار” ورسالة الفن الصادق الخالي من المبالغات والمرتكز على حقائق، مشيداً بأبطاله فرداً فرداً، وفي ذلك تقدير كبير لهم وتقدير كبير للفن ورسالته.

الرئيس وللمرة الثانية يطلب الإكثار من هذه النوعية من الأعمال، وكانت المرة الأولى قبل عام بالتمام والكمال، وفي ذات الندوة وفي نفس القاعة، عندما كرم أيضاً أبطال فيلم “الممر” وطلب أن يكون لدينا عمل من هذه النوعية كل ٦ أشهر، ومر عام كان يفترض أن يكون لدينا خلاله فيلمين، ولكن ذلك لم يتحقق، وهو ما يعني عدم تنفيذ تعليمات الرئيس الأخيرة.

المطلوب واضح، الإكثار من إنتاج المسلسلات والأفلام التي تتناول حكايات حقيقية حصلت لأبطالنا خلال حروبنا المختلفة وخلال تاريخنا الممتد والعامر بالانجازات، والشعب ينتظر ويتمنى أن يحدث ذلك، ولديه الاستعداد الكامل للالتفاف حول أي عمل وطني، ولا نعلم سر التقاعس في التنفيذ، رغم أن الجهة المسؤولة عن الانتاج والعرض تقدم سنوياً عشرات الأعمال، ولو استطلعنا رأي الناس عما يتذكرونه مما عرض في رمضان الماضي، سنكتشف أن نصف الأعمال على الأقل سقط من الذاكرة، وأن الخالد في الأذهان هو “الاختيار”.

ندرك جيداً أن الفن من وسائل الدبلوماسية الناعمة التي أعطت الكثير لمصر وتركت بصمة مميزة عن الشخصية المصرية في أي مجتمع عربي، وكلنا ندرك أننا تراجعنا كثيراً في هذا المضمار وتركنا غيرنا يسرح ويمرح فيه، ويكفي دولة مثل تركيا التي منحت الفن كل الدعم والأولوية لغزو العقول العربية بأعمال عن قُطاع الطرق العثمانيين الذين كونوا دولة، وأولهم أرطغرل وولده عثمان، وندرك أننا أصحاب التاريخ الأكثر ثراءً بالحكايات التي تصلح لتحويلها إلى دراما وفن ونحن في عزة وفخر، ولكننا ندرك أيضاً بأن القائمين على الانتاج الدرامي ينقصهم إدراك ما يدركه غيرهم، ولا نعرف لمن نلجأ بعد الرئيس ليصدر إليهم توجيهاته لتحقيق أمنياتنا في إنتاج أعمال وطنية وتاريخية تحكي للعالم جوانب من عظمة هذا الشعب؟!

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.