رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أولاد الفقراء .. كتاب سينمائي مفتوح

بقلم : سامي فريد

صفحة جديدة من صفحات كتاب تهذيب الأخلاف وتقويم عيوب المجتمع نراجع فيه مع أنفسنا الدورس والحكم والمواعظ لنعتبر. صفحة جديدة عنوانها هذه المرة الذي يقدمه هنا يوسف وهبي هو: (أولاد الفقراء) .. في هذه الصفحة سنتعرف إلى عيوبنا وأحوالنا وأحوال الأغنياء مقارنة بأحوال الفقراء وكيف ينظر أحدهما إى الآخر ويعامله.

في الفيلم شقيقان أحدهما راحت ثروته في البورصة فقضى عليه هو (أحمد) فلجأ إلى شقيقة الباشا الثري (فؤاد) يستعين به على ما أصابه فينال شوطا من التوبيخ والأزدراء وفي النهاية يقبل الشقيق الباشا (عباس فارس) على مضض أن يلحق شقيقه في دائرته، ولكن في وظيفة كاتب هو وزوجته فرودس محمد. أما الابن لمعي (يوسف وهبي) فهو يدرس القانون في فرنسا ليعود ومعه الدكتوراه فيفاجأ بما حدث لأسرته ويناله بعض ما ينالهم من الذل والتحقير.

وتنشأ في قصر الباشا علاقة عاطفية تتحول إلى علاقة آثمة بعد ذلك بين ابن الباشا المدلل (زكي) وابنة الشقيق الفقير (حسنية) وتجسدها أمينة رزق التي يعدها زكي بالزواج بعد أن أسفرت العلاقة عن حملها دون علم الأسرة!

ويتقدم إبراهيم عبدالباقي (محمود المليجي) نجل خولي العزبة فيخطب لنفسه حسنية ويوافق الباشا الكبير فورا للخلاص منها، ترفض حسنية ويرفض الشقيق الدكتور لمعي العائد من فرنسا لعدم التكافؤ، لكن الأم وقد أسرت لها البنت بما حدث توافق على الزواج وتشجع عليه.

ويبدأ من هنا مشوار العظات والدروس مثل (الماس أساس الاحترام) أو (الله يلعن الفلوس).. ويشك الدكتور لمعي في أنه يمكن أن تقبل به درية الغنية لفقره قائلا لها (للأسف يا آنسة.. الناس بتوزن كل شيء بميزان الفلوس).. والمقصود طبعا هو أنه لا اعتبار للعلم في المجتمع!

لكن كيف يسير سيناريو الفيلم الذي كتبه يوسف وهبي مخرج الفيلم وربما كتب قصته أيضا!

يبدأ الفيلم بمشهد نرى فيه الدكتور لمعي عبدالسميع في حال مزرية يحتمي مع عدد من أسافل البشر الفقراء قائما فوق كوقة من الأوراق ينغي معهم هطول المطر في الخارج ثم يهب مستيقظا عندما يشعر بهم وهو يحاولون سرقة الورق ليحرقوه ويستدفئوا بناره لكنه يقول ان في هذه الأوراق قصة حقيقية هي قضة الفقراء مع الأغنياء.. ثم تعود لأحدث الفيلم..

توافق حسنية على الزوج من إبراهيم عبدالباقي الفلاح الشريف وتطرد من حياتها زكي ابن الباشا فؤاد الذي لا ندري كيف التحق بكلية البوليس وهو الفاسد المستهتر ليصبح ضائط شرطة كبيراً!!

ويسمع محمود المليجي الفلاح كلاما بين حسنية وزكي يعرف منه العلاقة الآثمة بينهما لكنه يحب حسنية ويقرر أن يخفي ما اكتشفه عن الجميع ليسترها وتولد طفلته أو طفلة زكي (بمبة)، ويسمع الدكتور لمعي عبدالسميع ما دار فيقتل زكي في ثورة من الغضب بإطلاق الرصاص عليه ليدخل السجن محكوما عليه بالسجن 4 سنوات يخرج بعدها ليعاني من البطالة بعد أن يرفض الجميع أن يلحقوه بأي عمل لأنه لا يحمل كشف السوابق (أو صحيفة السوابق)، وهكذا يسير لمعي في الشوارع يبحث عن أي عمل دون جدوى حتى يضطر أخيرا إلى كتابة المذكرات القانونية لأحد مكاتب كبار المحامين مقابل جنيه واحد للمذكرة التي يتقاضي فيها المحامي (لطفي عبدالحكيم) 40 جنيه دفعة واحدة!.

ويموت الشقيق الفقير (أحمد) لتباع منقولات بيته كلها بالمزاد فتشرد الأسرة وتعمل حسنية خياطة حتى تعود إلى مكتب المخدم بعد طردها وينتهي بها الحال فتعمل راقصة في أحد الكباريهات الفقيرة الذي يريره حسن البارودي ومعها ابنتها “بمبة” أو ابنة زكي ضابط الشرطة ابن الباشا الكبير.

وتحتاج الأم فردوس محمد إلى عملية جراحية ستكلفها مبلغا باهظاً لا تقدر حسنية عليه هو 10 جنيها!، ويرفض إبراهيم الفلاح الزواج بعد حسنية بل ويبحث عنها رغم أن الباشا قد طردهم من خدمته لعصيانهم أوامره.. ثم لا ندري كيف استطاع الفلاح ابراهيم الوصول إلى الكبارية ليرى حسنية الراقصة!، ويسمعها وهى تغني في الكبارية أغنية حزينة.. وتسقط حافظة نقود الفلاح إبراهيم في الكبارية وفيها مبلغ جسيم (90 جنيها) فتسرع بمبة لالتقاطها رغم ذهول شقيقها فاخر فاخر (رؤوف).. ثم تدخل الشرطة بقيادة الضابط الكبير زكي ابن الباشا.. ولا نعرف أيضا من أتى بهم إلى الكبارية.. لكن هكذا فيما تبين وأراد السيناريو لتكتمل حلقات المأساة ويصل الدرس الأخلاقي إلى الجميع!

ويهتف في حزن الدكتور لمعي عبدالسميع في الكبارية الذي لا نعرف كذلك كيف اهتدى إليه ويرى شقيقته حسنية وهى ترقص (أمينة رزق ترقص.. تصوروا)، ويقول الدكتور لمعي عبدالسميع لشقيقته بعد أن عثر عليها (عمري ما شعرت أني أخوكي اكتر من اللحظة دي).. ويلتقي الجميع في الكبارية ونسمع كلاما مثل (سامحها يا بابا) موجها إلى زكي أو (بنتك يا زكي أهه.. اقبض عليها).. وتبدأ النفوس في إدراك الحقيقة فيبدأ الندم ومحاولة الإصلاح، ولكن كيف؟ يكتب الدكتور لمعي رسالة إلى الفلاح الفقير إبراهيم عبدالباقي يطلب منه معونة إذ لا يعطف على الفقير إلا الفقير مثله.

ونفاجأ بأن رؤوف “فاخر فاخر” يسرق مجوهرات جدته من أجل علاج شقيقته بمبة التي تموت.. وتعرض لنا الشاشة مشهد يستمر ما يقرب من الدقائق العشر لخريطة وجه يوسف وهبي وهو يسمع ابنته بمبة التي تطلب الخلاص من آلامها بالموت، فيقرر أخيرا بعد عذاب ومعاناة شديدة يبدأ أن يقتلها في الوقت الذي يكون رؤوف قد أتي بالمجوهرات، وقد راح أبوها الضابط زكي يهول باحثا عن طبيب كبير لعلاج وتكون الأم حسنية قد خرجت لتشتري طعاما للإفطار بالقرش (نعم بالقرش) الذي أعطاه لها الدكتور لمعي، ويقف الجميع أمام الباب المغلق لكن الدكتور لمعي في الداخل يكون قد بدأ في خنق بمبة ليريحها من آلامها!

وتسمع عبارات مثل (المجني عليه صفح والجاني لم يصفح).. ثم نسمع دقات أجراس الكنيسة وآذان الصلاة في المسجد فيقول يوسف وهبي كلمة للجمهور تفيد أن السماء قد غفرت للفقير لحظة وفاة بمبة.

وأخيراً.. ولا ندري كيف أيضا تجتمع الأسرة جميعا بما فيهم درية التي اختفت طول الفيلم لتظهر من جديد في أحلى أزيائها.. ويجتمع الجميع حيث نرى الدكتور لمعي عبدالسميع وسط الفقراء يحكي لهم الحكاية في نفس المشهد الذي بدأ به الفيلم.

الفيلم من إنتاج نحاس فيلم.. وهو ملىء بالتفاصيل وبالممثلين أيضا، وهم يوسف وهبي وعباس فارس وعلوية جميلة وامينة رزق ومحمود المليجي وحسن البارودي وفاخر فاخر ولطفي الحكيم ومختار عثمان ومنسي فهمي، وكان واضحا بسبب بطء الفيلم أن الجميع كانوا يشاركون في أولى تجاربهم في ذلك الفن الجديد.. السينما!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.