رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة “مستحيل”

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
أجاد الغناء الغربي في بداية حياته

كتب : أحمد السماحي

رحل مساء أمس الخميس المطرب الكبير “سمير الإسكندراني” عن عمر يناهز الـ”82 “عام، بعد صراع مع المرض، بمستشفى النزهة حيث كان يتلقى العلاج هناك، رحل صديقي الذي كان أول من أطلق على المؤرخ الغنائي، والذي ربطت بيننا صداقة جميلة، لأننى كنت أعلم جيدا قدره وحبه واهتمامه بما يقدمه فى الغناء، فمطربنا الراحل كان صاحب صوت مميز لا تخطئه الأذن وتستطيع تمييزه من بين مئات الأصوات، كما كان دقيق جدا في اختياراته الغنائية، شديد الاهتمام بالكلمة، لهذا لم يكن غريبا أن تجد فى أرشيفه أغنيات لكبار شعراء مصر مثل “حافظ إبراهيم، مصطفي عبد الرحمن، فاروق شوشة، على أحمد باكثير، حسين السيد، عبدالسلام أمين” وغيرهم .

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
وهو شاب يغنى بلدي وحبايبي

يارب بلدي وحبايبي

كان الراحل أحد عشاق مصر المحروسة التى كان يعتبرها معشوقته الغالية لهذا بدأ مشواره الفني عام 1967 بأغنية وطنية هى “يارب بلدي وحبايبي والمجتمع والناس” كلمات “عبدالسلام أمين” وألحان “سيد مكاوي”، حيث كان رافضا كشاب الهزيمة، وقرر مساندة بلده، وأنهى مشواره بالأوبريت الوطني “تسلم الأيادي تسلم يا جيش بلادي” كلمات وألحان “مصطفى كامل”، توزيع “أحمد عادل”، وبينهما أغنيات وطنية كثيرة جدا.

لكن قبل استعراضنا لنماذج من هذه الأغنيات سنتوقف عند أغنيته الأولى “يارب بلدي” التى مازالت حاضرة فى الأذهان والوجدان رغم مرور أكثر من 50 عاما على تقديمها لأول مرة، فقد كتبها الشاعر “عبدالسلام أمين” وهو مع “الإسكندراني” فى الجيش، وفرح مطربنا الراحل بالكلمات جدا حيث وجدها مناسبة جدا لمرحلة ما بعد نكسة “يونيو”، وفى أول أجازة من الجيش جاء للراحل “عبدالحميد الحديدي” رئيس الإذاعة الذي كان متحمسا له جدا، بعد أن عمل “الإسكندراني” فترة مذيعا فى الإذاعة فى البرنامج الأوروبي لإجادته للغة الإيطالية، وطلب من “الحديدي” ملحن لكلمات “يارب بلدي”، فتم ترشيح الشيخ “سيد مكاوي” الذي أعجب بالكلمات جدا، لكنه رفض أن يغنيها “الإسكندراني”، وقال مين المطرب الأجنبي ده اللي هيغني وطني؟!.

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
أعجب عبد الوهاب بغنائه الغربي فقرر أن يغني معه

 لكن “الحديدي” طلب منه أن يلحن الأغنية وإذا لم يستطع “الإسكندراني” أن يؤديها، فليؤديها مطرب آخر، وتحمس “مكاوي” وعلى هذا الأساس لحن الأغنية، وفوجئ بجمال وحلاوة وإحساس صوت “الإسكندراني” عندما غنى الأغنية، وحققت الأغنية بالفعل نجاحا كبيرا، وتم تصويرها فى التليفزيون المصري، ولها كليب موجود على موقوع “اليوتيوب” و”سمير” يغنيها بدون لحيتة الشهيرة، وبشعرالجيش القصير، وتقول بعض كلماتها :

يا رب بلدي وحبايبي والمجتمع والناس

اجعلني شمعة تنور بالحب والاخلاص

اجعلني دفعة قوية في عجلة الانتاج

اخواتي تلبس وتاكل .. ولغيرنا ما نحتاج

اجعلني حبة تفرع .. وتبقى فدادين سنابل

تحضن فروعها الأيادي.. وتبوس جدورها المناجل

وأبدر على الناس محبة .. وبسمة في كل دار

وان مت اجعلني طوبة .. يعلو بيها جدار

أنا ايه لولا الناس بحالها .. لو انتوا ايه فايدتي

لو كنتش اخدم بلادي..هتبقى ايه لازمتي

ده اصلنا الانسانية .. والأب واحد يا عالم

وكلنا دم واحد .. ألفين سلام لك يا آدم.

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
يغني تسلم الأيادي في كل مكان

تسلم الأيادي

أما أغنية “تسلم الأيادي” فبمجرد أن عرضها عليه شاعرها وملحنها “مصطفى كامل” تحمس لها على الفور، وكان يغنيها ـ لايف – مع باقي زملائه المطربيين في كل المناسبات التى تغنى فيها رغم كبر سنه، لكنها وكما قال لي: أحببت الأوبريت لأنه يشيد بجيش مصر العظيم، ولأنه عبر عن فرحه الملايين بمساندة الجيش لثورة 30 يونيو.

يزرع الأمل بصوته بعد النكسة

كانت أغنية ” يارب بلدي وحبايبي” تعبيراً عن الواقع السياسى و الاجتماعى الذى كانت تعيشه صر فى حقبة الستينيات حيث المساواة والإشتراكية، وفيها نرى كيف أن المطرب يتمنى أن يكون خيرا للناس وسعادة على الناس جميعا، وهو حى، وحتى بعد وفاته أن يجمع الله التراب المتبقى منه فى طوبه توضع فى جدار وترفع به، فهو يريد أن يكون مفيدا حيا و ميتا.

كان نجاح أغنية “يا رب بلدي” واستقبال الناس لها، ورفضهم للهزيمة، الدافع لـ”الإسكندراني” ليزرع في الناس الأمل فقدم “حنكمل المشوار” كلمات الشاعر “فاروق شوشه” وألحان “عبدالعظيم محمد” والتى يقول فيها :

حلفين بألف نهار وبعزمنا الجبار

وبكل ضربة ايد بتصحى شعلة نار

حلفين بألف نهار لنكمل المشوار

حلفين ما تفوت أي سحابة إلا ورايتنا الغلابة

بتفوقها من فوقها وتعلي وترفرف

قدامنا وتنور وتهفهف وبتفتح للخير بوابة

هنقول مواويل لبشاير أمجادنا اللي جاية

ونغنى يا ليل لصباح ريان بالحرية

مشوارنا طويل والهمة قوية وعافية.

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
مع جون ترافولتا

نكون أو لا نكون

في هذه الفترة، أي فترة النكسة يتحمس أديب العربية الكبير الشاعر “على أحمد باكثير” ويكتب له قصيدة رائعة لا أحد يستطيع أن ينساها، رغم إنها لا تذاع على الإطلاق، يغنيها “الإسكندراني” مع كروان الشرق “فايزة أحمد” بعنوان “إما نكون أولا نكون”، يقول مطلعها الذى لحنه باقتدار الموسيقار والنحات الكبير أحمد صدقي:

غدًا بني قومي، وما أدنى غدا

إما نكون أبدا، أوْ لا نكون أبدا

إما نكون أمة من أعظم الأمم

ترهبنا الدنيا، وترجونا القيم

ولا يقال للذي نأبى: نعم

تدفعنا الهمم، لقمم بعد قمم

أو يا بني قومي نصير قصة عن العدم

تُحكى، كما تحكى أساطيرُ إرمْ

غدًا، وما أدنى غدًا، لو تعلمون

إما نكون أبدًا، أو لا نكون

هذا هو مطلع القصيدة التى تصلح لكل زمان والتى تدفع الشعوب للعمل والبناء.

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
مع أحد أصدقائه

مصر لن تستكين

وما زالنا مع مشوار الإسكندراني الوطني فبعد موت الرئيس “جمال عبدالناصر” توقف قلب القاهرة عن النبض، وخرجت الجماهير من كل حدب وصوب ترفع صور الزعيم الخالد الذكر وكأنها تتحدي الموت، وتدفقت المواكب من كل المحافظات متشحة بالسواد حزنا علي الرحيل الكبير، وكانت بمثابة محنة عظيمة في كل ربوع مصر، لكن “سمير الإسكندراني” الذي قرر أن يقف ويساند مصر ويزرع الأمل في قلوب الشباب يطلب من صديقه الشاعر الكبير والنبيل “فاروق شوشه” قصيدة تؤكد أنه إذا كان الرئيس الراحل غاب فمصر باقية بالشباب والأمل، ورغم هذا لن يغيب، وبالفعل يكتب شاعرنا الكبير قصيدة رائعة بعنوان “مصر لن تستكين”، ويطلب الإسكندراني كما ذكر لي أن يشاركه “شوشه” فى الأداء حيث قال لي: كان فاروق شوشة يؤدي الشعر بصوته وأنا استلهم منه التوظيف الدرامي، فأستمعنا إلى رائعة مثل الروائع التى لا تذاع يقول مطلعها الذي لحنه “عبدالعظيم محمد” :

اسمعوا لم تزل فوق روابينا على النهر خطاه

لم تزل فوق روابينا على النهر خطاه

فإذا النيل نداءا رددته ضفتاه

وإذا الوادي نماء وعبيرا وصلاة

وإذا مصر خلودا وانطلاقا وحياة

انظروا هذه بسمته الخضراء بل هذه يداه

تفسحان الدرب للنور الذي عم ثناه

وتشقان طريق النصرحتى منتهاه

طار كالمجد خطنا

واهتفوا بإسمه يحمل الراية  في كل كفاح

بإسمه يسبق الشمس إلى خلق الصباح

بإسمه قد تسامينا على صوت الجراح

وحملنا مشاعل الحق ورايات الفلاح

لن ننادي عليه بل سنسمو إليه

مصر في قلبه، وهو في قلب مصر

مصر في دربه غنوة للنصر

ياللي عاش حبك يعلم كل جيل

تأتي حقبة السبعينات فيغني من كلمات “سمير الطائر” وألحان الموسيقار “جمال سلامه” واحدة من أروع الأغنيات الوطنية التى تدعو كعادته فى معظم أغنياته الوطنية للبناء والزرع، فيشدو” بنعاهدك يا غالية” والتى يقول فيها :

ياللي عاش حبك يعلم كل جيل من بعد جيل

ياللي علمتينا دايما نلغي كلمة مستحيل

يا بلدي يا بلدي يا بلدي يا مصر

ياللي فيكي الإنسانية والسماحة الربانية

كل واحد من ولادك في مكانه يساوي مية

كلنا يا مصر جينا نوفي عهد ودين علينا

نبني ننتج نعلي نسبق نلغي كلمة مستحيل.

رحيل سمير الإسكندراني.. عاشق مصر الذي ألغى كلمة "مستحيل"
أحد ألبوماته الغنائية التي تفاعل معها الناس

لا تهجرني

كما غنى أيضا للشباب ليخرجهم من حالة الحزن أغنيته الوطنية الجميلة “حنغني”، و”رسالة مفتوحة”، هذه بعض نماذج من أغنياته الوطنية الرائعة التى غنى منها الكثير وكان أحد العناصر المشتركة فى كل حفلاتنا الوطنية الخاصة بإحتفالات مصر بأعياد حرب أكتوبر في الثمانينات والتسعينات وغنى فيها من كلمات عبدالرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وألحان “جمال سلامه، وعمار الشريعي”.

وفى الغناء العاطفي كانت إسهاماته غزيرة راقية مليئة بكل ما هو شاعري وجميل، فمن أشهر ما قدم “مين اللي قال أن الزمان مالوش أمان، حلوة يا دوسة، آه يا جميل ياللي ناسيني، كام وردة، يا نخلتين في العلالي، يا غصن نقا، زفوا الخبر، قمرله ليالي” وغيرها الكثير.

بعد احترافه الغناء كان الموسيقار “محمد عبدالوهاب” معجبا جدا باللون الغربي الذي يقدمه “الإسكندراني” لهذا طلب من “عبدالحميد الحديدي” أن يراه، وبعد المقابلة لحن له أغنيتي “النيل الفضي” كلمات مارجريت شكري، وأغنية “لا تهجرني”، والتى أصر أن يغني فيها مع “الإسكندراني” فكتب له الشاعر “حسين السيد” كوبليه باللغة العربية، يقول فيه : “ليه ساكت ليه، عايزني أقولك ايه، قلبي وروحي بقولك خدهم يا حبيبي، حبك أنت اللي بيسعدهم يا حبيبي، ساكت ليه، أوهبلك تاني ايه”، وكتبت الأغنية ” Never let me go” باللغة الإنجليزية “ريتا شكري”.

التطوير مع المحافظة على الهوية الشرقية

وبرحيل “سمير الإسكندراني “تفقد الأغنية واحدا من أبرز من حاول التطوير فيها، مع المحافظة على الروح الشرقية، والاهتمام الدقيق بالكلمة التى تعلم انتقائها من الأساتذة الشعراء الكبار الذين قابلهم في مشواره.

الثعلب

رحم الله “الثعلب” الذي ساعد المخابرات العامة المصرية في الإيقاع بشبكة كبيرة من الجواسيس داخل مصر وإيهام العدو الإسرائيلى بالعمل لحسابه من عام 1958 م لأكثر من عام ونصف، واستطاع الإيقاع بواحد من أخطر ضباط المخابرات الإسرائيلية والقبض عليه داخل مصر وهو “مويس جود سوارد”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.