رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

فراس نعناع يكتب: (القدس) ليست (أورشليم)

بقلم : فراس نعناع *

يذهب الباحث الدكتور فاضل الربيعي في كتابه (القدس ليست أورشليم) باتباع منهج الدكتور كمال الصليبي وإنما يطوره في اتجاه آخر بأن (القدس) التي ­يزعم أن اسمها ورد في التوراة، هي ذاتها المدينة التي ذكرها كتاب اليهودية المقدس باسم (أورشليم ).

وأن الاسمين معا يدلان على مكان واحد بعينه، كما تقول الرواية الاسرائيلية المعاصرة: إن التوراة لم تذكر اسم فلسطين أو الفلسطينيين قط، وأنها لم تأت على ذكر (القدس).

 بأي صورة من الصور، وكل ما ­يقال عن أن المكان الوارد ذكره في التوراة باسم (قدش – قدس) قصد به المدينة العربية أمر يتنافى مع الحقيقة التاريخية والتوصيف الجغرافي، ولا صلة له بالعلم لا من قريب ولا من بعيد.

أن (القدس) اسم حديث لا يرقى لأبعد من العهدة العمرية (15 هجرية)، وأن (قدش – قدس) في التوراة لا يعني بأي صورة من الصور (القدس) العربية الاسلامية، والمماثلة بينهما هى نتاج مخيالية غربية للتوراة، لأن ظهور الاسم من الناحية التاريخية لا يرقى لأبعد من فترة الفتوحات الإسلامية، وبالتالي يصبح من غير المقبول علميا تصديق مزاعم وجود اسم (القدس) في كتاب ديني يعود الى نحو 500 ق.م؟.

والصحيح أن التوراة تحدثت عن جبل اسمه (قدش- قدس)، ولم تتحدث عن مدينة (القدس) العربية، وبكل تاكيد فهي ليست جبلا ولا فوق جبل، ولا يوجد بوجه الإطلاق أي نص في التوراة بلغتها العبرية يقول  أن (القدس) هى (أورشليم).

لقد عُرف جنوب الشام تاريخياً باسم (إيلياء)وهو اسم مؤنث مشتق من اسم الإله العربي الذكوري (إيل – ءيل) ومعناه الله وقد عرفه العرب والمسلمون واستخدموه في مدّوناتهم ورواياتهم دون حرج.

عمر بن الخطاب كتب في العهدة العمرية الشهيرة عبارة (أهل إيليا – إيلياء)

(القدس) في العهدة العمرية

حتى أن عمر بن الخطاب كتب في العهدة العمرية الشهيرة عبارة (أهل إيليا – إيلياء) ولم يكتب أهل (القدس)، وفي رسالة النبي – ص – لهرقل استخدم اسم (إيلياء)، لأن هذه المدينة المسيحية كانت تعرف عند العرب في الجاهلية ومطلع الإسلام بهذا الاسم ، واسم (القدس) ظهر مع الأمويين.

إن اسم (القدس) في التوراة لجبل وليس اسماً لمدينة، كما أن وصف التوراة لقدش- قدس يختلف كلياً عن وصف أورشليم، لقد ظهرت جماعة يهودية متطرفة تؤمن بحرفية ما ورد في التوراة تسميّ نفسها (أمناء جبل الهيكل) تؤمن أن بيت الرب بناه سليمان في جبل قدس، كما تقول التوراة.

فكيف نصدق أن الهيكل تحت قبة الصخرة، بينما (القدس) العربية مدينة فوق هضبتين صغيرتين، وليست جبلا ولا فوق جبل.

ويضيف الدكتور الربيعي: بأن التوراة لا تتضمن أي شيء يخص فلسطين أو يلمح إلى ذكرها بأي صورة من الصور، بل ولا توجد أدنى صلة للتوراة بتاريخها، بل هى خدع استشراقية.

كما أن (القدس) الموصوفة بالتوراة وطبقاً للنص العبري لا علاقة لها بالقدس العربية على وجه الإطلاق، وبهذا المعنى وحده فالقدس ليست هى أورشليم كما يُزعم في الدراسات الكتابية المعاصرة (من الكتاب المقدس).

إقرأ أيضا : تحفة الدراما السورية “حارس القدس” .. الفن في خدمة الدين

إن شعب بني إسرائيل القديم، وهو من الشعوب والقبائل العربية البائدة في اليمن، وهنا يؤكد نظرية الدكتور كمال الصليبي، بل ويضيف اليمن مسرحاً خصباً اذ يقول:

إن أرض التوراة وصناعتها وإشاراتها ومدنها وأحداثها في اليمن القديم أن الفضاء الجغرافي الوحيد الذي ضم في الماضي البعيد ثلاثة أماكن باسم “قدش – قدس”: هى الأرض الممتدة من وادي الرمة حتى جنوب مدينة تعز اليمنية.

ذلك ما يفسر لنا مغزى وجود أسماء مدن يمنية وأسماء قبائل وشعوب عربية بائدة في قصص التوراة، مثل (عدن، وحضرموت، ووادي الرم’)، ولعل وصف التوراة الدقيق  لجبل قدش من النوع الذي لا يقبل أي تأويل مغاير لأنه وصف واضح لجبل  وليس لمدينة، كما أن (القدس) العربية ليست جبلاً ولا تقع في جبل، وهى بكل يقين ليست فوق جبل.

قال كعب بن زهيرفي الجاهلية:

وأنتَ امرؤٌ من أهل قُدس أواره

أحلتَّكَ عبدالله أكنافُ مبهلِ

لايوجد في طول فلسطين وعرضها جبل يدعى (جبل صهيون)

(القدس) و(جبل صهيون)

والمدهش أكثر أن النص التوراتي يتحدث عن سقوط أورشليم بعد أن هاجمها الملك داود من جبل يدعى (جبل صهيون)، وأن داود أطلق اسمه على الجبل – الحصن الذي استولى عليه – فصار اسمه (مدينة داود)، وبالطبع لايوجد في طول فلسطين وعرضها جبل يدعى (جبل صهيون).

وكل الجغرافيون العرب واليونان الذين وصفوا بلاد الشام في حقب وفترات مختلفة من التاريخ لم يذكروا قط اسم جبل في جنوب سوريا يدعى (جبل صهيون)، كما لم يذكروا أي شيء عن بلاد تدعى (اليهودية) قامت فوق أرض فلسطين.

إن (جبل صهيون) جبل عربي شامخ من جبال اليمن وإن الشعر الجاهلي تغنى به وذكره بالارتباط مع منطقة نجران وليس بفلسطين.

إقرأ أيضا : حارس القدس وحراس الدراما السورية

إن (جبل صهيون) هو حصن منيع بالفعل يوصل سلسلة جبال السرّ بنجران في سَرْو حِمير الى الشرق من صنعاء، واليمنيون يقولون في المأثور الشعبي حتى اليوم (كل بوسي يهودي وكل يهودي بوسي)، في إشارة إلى بيت بوس التي كان سكانها على دين اليهودية.

وهى مكان جبلي حصين وصفها الهمداني وصفاً دقيقاً في كتابه (صفة جزيرة العرب)، وتماما كما في النص التوراتي.

النص التوراتي: واستولى الملك ورجاله على أرض اليبوسين وأخذ الحصن.

نص الهمداني: بيت بوس حصن منيع ووادٍ.

أخيراً بالتأكيد هذه الاضاءات لا تكفي لأي قارئ، أو باحث، إذ عليه الرجوع إلى تلك الكتب وقراءتها بإمعان شديد فهي ستغير عقله الذي استقبل من ذي قبل مرويات مختلفة.

* فنان سوري، وباحث في التراث والتاريخ 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.