رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتى مع ديزنى (17) .. عاوز أخَرِج

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

بعد أن سافر بليك تود ( إله الأصوات فى ديزنى ) صارحت سمير حبيب بكل مادار بينه و بينى ، فهنأنى سمير على ثقة الرجل و لكنى أعربت له عن رفضى لما عرضه علىَّ تود ، فاندهش بشدة و لكن كانت لى أسبابى ، ففى نفس العام و بعد الانتهاء من الأسد الملك صدر قرار تعيينى مديراً للمسرح الكوميدى التابع للدولة ، و كانت لدىّ أحلام ضخمة لتحويل المسرح الكوميدى الى مركز ثقافى  ، بمعنى ألا يكون مكاناً لتقديم العروض المسرحية فقط و إنما يقيم الأمسيات و يعقد الندوات و يستضيف المعارض و يصدر المطبوعات ، إلى جانب احتضان المواهب الجديدة فى صورة ورش تدريبية و عروض للفرق المستقلة ، هكذا كنت أرى مهمة مسرح الدولة خاصةً فى تلك المرحلة التى امتلأت بالحوادث الارهابية، و كان تحقيق ذلك يتطلب مجهوداً و وقتاً طويلاً ، و يتطلب أيضا ألا أنشغل معه بعمل إدارى آخر ، فالفنان مسئول عن عمله فقط أما الإدارى الناجح فهو مشغول بالتحضير للعمل ، و متابعته أثناء التنفيذ ، و التخطيط لما هو آتى ، و بالتالى فوقته أكثر انشغالاً أو هكذا كنت أتصور.

ثم أضفت قائلا : أنا كمان عاوز أخرِج ، أخرج فين بقى ؟ قال : انت مش بقيت مدير مسرح ؟ إخرج فى مسرحك . و كان ردى : مستحيل . لقد صرحت للصحف فور إعلان تعيينى بأننى لن أقوم بالإخراج فى المسرح الكوميدى على الإطلاق ، و أننى سأتفرغ للعمل الإدارى ، فقد كنا نعانى و نحن فى مطلع الشباب من مديرى المسارح الذين يقدمون فى مسارحهم عملاً لهم سنويا يوفرون له كل الإمكانات و يتبقى الفتات لباقى الأعمال ، و لم تكن تلك صفة المخرجين فقط الذين تولوا الإدارة ، فهناك أحد الصحفيين تولى أمر فرقة ، فلم يقدم فيها إلا أعمالاً من تأليفه و إخراجه أيضا !!! و كنا نعيب علي كل المديرين ذلك ، فقررت ألا أكون مثلهم ، و ليس من المعقول أن يصبح عملى ” إدارياً ” فى المسرح و فى الدوبلاج ، يكفينى عملاً إداريا واحداً و أن أوفر باقى الوقت لأعمالى الإبداعية سواء فى مسارح القطاع الخاص أو التليفزيون .

قال لى سمير : هذا سابق لأوانه ، فلننتظر و سنرى ، فربما كان الإشراف فنيا فقط ، و ساعتها ستقرر ما هو أفضل لك . المهم الآن أن نقوم باختيار من سيؤدى شخصيات ديزنى الكلاسيكية ، بمجرد وصول شريط الاختبار .

و بعد وقت طويل – كعادة ديزنى – أرسلوا شريط اختبار للشخصيات الأساسية ، و لم أعطه كثير من الاهتمام ، فقد بدأت الأفلام تتوالى على إكو ساوند ، منها أفلام قديمة من مكتبة ديزنى مثل بيتر بان ( إنتاج 1953 ) مائة مرقش و مرقش (1961) كتاب الأدغال (1967 ) و أفلام تم إنتاجها حديثاً ، مثل علاء الدين (1992) حكاية لعبة (1995) و أحدب نوتردام ( 1996) و هرقل ( 1997 ) و الحق أقول : أصبح العمل فى الدوبلاج أسهل بكثير من الناحية الفنية و التقنية ، فالأجهزة الحديثة التى استوردها سمير حبيب سهلت الأمور ، فإلى جانب الجهاز  الأمريكى (L   S.S.) – الذى يبدو أنه استورده فقط لأن ديزنى تعتمد عليه – فقد استورد معدات تسجيل ألمانية وضعها فى الاستوديوهين الآخرين كان سعيداً بها أكثر من الجهاز الأمريكى ، حيث بدأ فى تسجيل مسلسلات لديزنى مثل مسلسل تيمون و بومبا ، و بعدها مسلسل علاء الدين ثم توالت المسلسلات .

و لكن أيا كانت جنسية الجهاز كانت البراعة تتركز فيمن يقوده ، و لذا اختار مجموعة منتقاة من خيرة مهندسى الصوت الشباب سهلت العمل و جعلته ممتعا ، و صار هؤلاء الشباب ( طارق علوش – محمد وليد – حازم – وائل ) بمثابة أبناء و أخوة لى ، نعيش فى الاستوديو ساعات طويلة و نتعرض لضغوطات عمل كثيرة و مواقف صعبة ، جعلت منا أسرة تتكاتف لينجح العمل . كم تعرضنا لأخطاء قاتلة منها أن يتم محو تسجيل بالخطأ ، أو ينقطع التيار الكهربى قبل ( save) و لأنهم شباب صغير السن و فى بداية حياتهم كنت أتحمل مسئولية أى خطأ أمام سمير حبيب أو الممثل الذى سنضطر لاعادة التسجيل معه .

و لم يتوقف الأمر عند هذا بل مضينا سويا – أنا و هؤلاء الشباب – نبتكر حلولاً خلاقة للمشكلات ، منها – على سبيل المثال – أن أحد الممثلين كان لا يستطيع البدء مع نطق الشخصية على الشاشة بسبب الارتباك من النظر الى الشاشة و الى الورق الذى يقرأ منه فى نفس الوقت ، فأطفأنا الشاشة التى أمامه ، و كنا نقيس زمن كل جملة و نجعله يسجلها عدة مرات فى نفس الزمن ، و فى المونتاج نمضى فى القص و اللصق حتى تظهر الجملة سليمة و فى مكانها ، و لم يكتشف أحد هذه الطريقة .

و فى مسألة توزيع الأدوار سهلت لنا الأمر – الى حد ما – نظرية ديزنى فى اختيار الممثل الذى يشبه الشخصية المرسومة جسمانيا ، كما تكفلت الخبرة بالباقى فكنت أسمع الصوت فى الفيلم و أقرر بسهولة أقرب الممثلين اليه صوتا و شكلا ، إلى جانب أننى لاحظت أن ديزنى كثيراً ما تكرر ممثليها فاعتمدنا نفس الاسلوب ، و لذا ستجد تكراراً لصوت  المطرب هشام نور – الذى قام بدور سيمبا – فى أدوار الشباب ، و مرة أخرى تعاونا مع الفنان القدير عبد الرحمن ابو زهرة فى فيلم علاء الدين بجزأيه ، كما كان للفنان الكبير على حسنين مقعد دائم فى أدوار كبار السن كما استعنا عدة مرات بالفنانين الكبار صفاء الطوخى و سلوى محمد على و سامى صلاح و عادل خلف و زايد فؤاد فى أدوار رئيسية . كما أعتز باكتشافى لمجموعة مواهب مثل الفنان الكبير إيهاب فهمى الذى كان فى بداية حياته ، و كذلك الفنان شهاب ابراهيم الذى لم يفارقنى لسنوات فى الدوبلاج و على المسرح ، و الفنان الكبير ناصر شاهين الذى حل محل هنيدى فى دور تيمون و غيرهم كثيرين .

و الحقيقة ان نجاح الفيلم الاول ( الأسد الملك ) و سمعة الاستوديو الجيدة التى صنعتها تصرفات سمير حبيب و دقة و انضباط منى عيسى  محت السمعة السيئة للدوبلاج ، و احتقار الفنانيين له واستطعنا جذب مجموعة من النجوم للمشاركة فى الأفلام ، فعلى سبيل المثال لا الحصر شارك فى الأفلام الأولى – الى جانب من سبق ذكرهم – النجوم الكبار : أحمد راتب ، رشوان توفيق ، محمد عوض ، محيي اسماعيل ، دكتور محمد عبد المعطى ، و المنولوجست فيصل خورشيد و غيرهم و النجمات : أمينة رزق ، هالة فاخر ، حنان شوقى و من الوجوه الجديدة ( وقتها ) الذين تميزوا بمواهب رائعة : منى زكى ، هانى رمزى ، ماجد الكدوانى ، جمال عبد الناصر ، أحمد صيام ، سامى مغاورى ، مى عبد النبى ، سيد الرومى .

إلى جانب أن ثقة بليك تود فى عملى سهلت لنا كثير من الامور ، و استطعنا الوصول الى شبه اتفاق و توافق ، بناء عليه نادراً ما كانت موافقته تذهب لغير مُرَشّحى الأول  ، و إن كان فى نفس الوقت يبعث لى بملاحظات تدهش و تثبت أنه بالفعل إله الأصوات : إنه قادر على أن يصف لك الممثل جسمانيا بمجرد سماع صوته ، بل يحدد إذا ما كان الممثل يسجل صوته جالساً أم واقفاً ، و أحيانا ما يحدد نوع ملابسه ، بل كانت له ملحوظة ذات مرة بأن أحد الممثلين يضع الساعة فى يده اليمنى !!! و من بعدها أصدرنا قراراً بأن يخلع الجميع ساعات اليد أثناء التسجيل .

لم يزعجنى طوال تلك الفترة سوى أمر واحد ، فلقد فوجئت بمكتب ديزنى فى الشرق الأوسط يطالبنا باستعمال اللهجة الصعيدية فى فيلم “كتاب الأدغال” و بالتحديد فى مشهد لقاء النسور بالفتى الصغير ( موغلى ) و كنت أعلم من مشاهداتى لمسرح القطاع الخاص الخليجى أن شخصية العامل الصعيدى من الشخصيات المضحكة الدائمة التواجد فى العروض – مثلها مثل الشغالة الرغاية – و لكنى كنت أرفض تجاوز البعض فى السخرية منها ، لذا كنت حريصاً طوال المشهد على ألا يكون هناك سخرية من اللهجة أو الشخصيات ، و لكنهم لم يكرروها و لم يطالبوا باستعمالها مرة أخرى.

كانت كل الامور تسير بجودة و هدوء و براعة و لكن هل تستمر ؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.