رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كوميديا الموهوبون في التراجيديا

بقلم: محمود حسونة

تحت عنوان الكوميديا، جاءت الأعمال التي يفترض أن تضحك الناس وتخفف عنهم ملل الحظر خلال الموسم الرمضاني لتزيدهم مللاً، ولتكون بمثابة إعلان عن سقوط مدوٍ لمن تخيلوا أنهم يمتلكون القدرة على إضحاك الناس وهم فارغين من أي موهبة حقيقية، ولا يمتلكون سوى قدرات على أداء حركات ساذجة وعبيطة، ولا يعرفون من لغة الكلام إلا المبتذل والتافه وما يثير غضب مشاهديهم ويدفعه لمقاطعتهم من دون رجعة.

المتوهمون أنهم نجوم كوميديا وقعوا هذا الموسم في فخ الهبل والحركات الأراجوزية، وعجزوا عن أن يستوعبوا أن الجمهور في زمن الأوبئة والكوارث يمقت من يضحك عليه، ويكون لديه من الأوجاع والمخاوف ما لا يدع مجالاً لقبوله فن الضحك على الذقون وتضييع الوقت مع من يعجز عن إضحاك طفل ببهلوانية ممقوتة.

وسط كوميديا اللاكوميديا، التف الجمهور عبر المساحة الناطقة بالعربية حول نجوم لم نعهدهم كوميديانات وكثير منهم غير معروف الملامح ولا الموهبة، ولكنهم نجحوا في تقديم عمل غير مألوف وقدموا كوميديا فجرها الموقف والحوار، ولم تعتمد على الهرج والمرج، وذلك في مسلسل “بـ 100 وش” الذي قد نختلف حول كونه يدور في فلك عصابة نصب واحتيال لجمع المال والخروج من دائرة العوز، ولكننا نتفق حول خفة دم أبطاله وما تضمنه نصه من مواقف تنتزع الضحك من بين ضلوع الموجوعين، وبراعة مخرجته التي أصبحت علامة للجودة في الدراما المصرية.

لا أعتقد أن أحداً كان يتخيل أن (نيللي كريم) التي اتهمناها بالكآبة بعد أن أتحفتنا بأدوار معقدة ومركبة ومثيرة للألم في “ذات” و”تحت السيطرة” و”سجن النسا”، يمكنها أن تضحكنا وتنشر الفرح والبهجة وهي تؤدي دور (سكر) النصابة بنت بولاق، ولا أعتقد أن أحداً كان يتوقع أن آسر ياسين يمكنه أن يقترب من عالم الكوميديا إلا بعد أن ارتدى ملابس عمر المحتال ابن الزمالك بخفة دم وحلاوة طلة استحوذت على رضا وحب الناس.

سكر بنت بولاق وعمر ابن الزمالك جمعهما طريق الاحتيال وجمعا حولهما مجموعة من الشخصيات التي تمثل طبقات وثقافات متناقضة، وشكلوا جميعهم عصابة نصب تدرك كيف تحتال من دون ترك أي أثر يمكن أن يدل البوليس إليهم.

هذه العصابة الحالمة بالملايين، والطامحة لامتلاك المال، لا تجد وسيلة لتغيير واقعها سوى النصب، ويلتقي حول هذا الهدف السكير والبلطجي وابن الذوات والخبير بعالم الكومبيوتر والمقطوعة من شجرة و”ليس لها لا قريب ولا حبيب يخاف عليها” وغيرهم.. يلتقون وينصبون ويحتالون، وكل منهم يستخدم نصيبه في النصب لتحقيق مآربه، فمنهم من يحقق حلمه في حياة الرفاهية، ومنهم من يستخدم المال لزغللة عيون محبوبته واستعادتها من خطيبها، ومنهم من ينفقه على الشرب والسكر، ومنهم من يستغله في إنجاز مشروع كان يحلم به، ومنهم من يخزنه في حظيرة المواشي تحت روث البهائم.

فئات مختلفة عبرت عنها مواهب حقيقية التقت حول هدف صناعة مسلسل كوميدي، وأكدت أن الكوميديا يجيد صناعتها الموهوبون في التراجيديا أيضاً، شرط العثور على نص كوميدي جيد، وهو ما تحقق في السيناريو الذي كتبه أحمد وائل وعمرو الدالي، وتحت إدارة مخرجة تتقن التعبير الكوميدي والتراجيدي في آن واحد، وتتجاوز الآخرين في اختيار ممثليها وتوظيفهم بما يحقق أهدافها حتى ولو كانوا مغمورين، وهي المخرجة المتفردة كاملة أبو ذكري.

إسلام إبراهيم (حمادة) وشريف الدسوقي (سباعي) ودنيا ماهر ( نجلاء) ومصطفى درويش (فتحي) وزينب غريب (رضوى) وعلا رشدي (ماجي) ومحمد عبدالعظيم (عم سامح)، أسماء من شكلوا العصابة مع نيللي وآسر، وهى كانت مغمورة قبل رمضان، ثم تصدرت المشهد وصارت حديث الناس طوال رمضان وبعده؛ مؤكد أن بعضهم عاش عمره حالماً بهذه اللحظة حتى وقع بين يدي كاملة أبو ذكري لتكتب له شهادة ميلاد شهرته ويمكن نجوميته.

من أهم أسباب نجاح هذا المسلسل أنه ليس مكتوبًا لنيللي وآسر وليست به مشاهد مفصلة على مقاس أحد، ولكنه مكتوب لكل من شارك فيه، لتكون البطولة فيه جماعية، ومن يمتلك الموهبة يمكنه أن يبعث للجمهور إشعاعاته التي تزيده لمعاناً بين زملائه وفي عيون المتابعين.

انتهى عرض المسلسل، وبقى الجمهور يتحدث عن آسر ونيللي ومعهما باقي العصابة، وصارت بعض عباراتهم على ألسنة الناس. فالتحية حق لصانعة النجوم والمتعة كاملة أبو ذكري، ولبطلي المسلسل نيللي وآسر اللذان أفسحا المجال لكي يصفق الناس لغيرهما معهما.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.