رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

100 وش يعيد الكوميديا الراقية للمصريين

كتب : الناقد المجهول

أفرزت أحداث يناير 2011 فى الفن نجوم يشبهون هذه الفترة الرمادية من تاريخ مصر الحديث، ومن ضمن من أفرزتهم نجوم كوميديا يتمتعون بالسماجة وثقل الظل والاستظراف، هؤلاء النجوم ظل يطاردوننا سنويا في شهر رمضان بنوع من الكوميديا الغليظة التافه القائمة على “إفيهات” مستهلكة تتسم بالغباء الشديد، ولأن هؤلاء النجوم الجدد دخلوا الفن في غفلة من الزمن وليس لديهم إدراك بأهمية رسالة وجمال الفن، ولا إدراك بالسموم التى يحقنون بها الجمهور سنويا في غيبة من وعينا ووعيهم، وبالتالي “استوحشوا” وانتشروا فى مجال الكوميديا، ووقع هؤلاء النجوم الجدد فى أيدي محترفي النصوص السخيفة، ومخرجي الكوميديا الساذجة.

ووقع الجميع فى أيدي منتجين أغرقوا السوق  بهذه الأعمال الكوميديا المستهلكة، لأن هؤلاء المنتجين ليسوا سوى تجار يروجون للسلعة التى يدركون بأنوفهم الخبيرة أن السوق بحاجة إليها في ظروف معينة مثل التى مررنا بها ومازالنا، وأقبل الجمهور المسكين بالفعل على هذه السلعة لأنه يريد أن يضحك على أي شيئ وبأي مستوى، فظروف الجميع في حالة إلى ذلك.

وفقدنا جميعا الأمل فى أعمال كوميديا يمكن أن تنتشلنا من العنف والعشوائية التي أصبحت تسود حياتنا الحالية في غالبية الأعمال الدرامية، وتذكرنا في نفس الوقت بأعمال أساطين الكوميديا “بديع خيري، وأبوالسعود الأبياري، ونيازي مصطفى، وفطين عبدالوهاب، ومحمد عبدالعزيز” وغيرهم من الذين قدموا لنا البهجة بأعمالهم المليئة بالبسمة الحلوة والدعابة المنعشة.

100 وش يعيد الكوميديا الراقية للمصريين
نيللي كريم ودعت النكد لتمتعنا بالكوميديا

لكن فوجئنا في رمضان 2020 بوجود مسلسل كوميدي ممتع راقي بعنوان ” 100 وش”، إنتاج ” العدل جروب”، تأليف “أحمد وائل وعمرو الدالى”، إخراج “كاملة أبو ذكرى”، بطولة مجموعة كبيرة من النجوم منهم “نيللي كريم، آسر ياسين، علا رشدى، إسلام إبراهيم، مصطفى درويش، شريف دسوقي، محمد عادل، ودينا ماهر، ولؤي عمران” وغيرهم، المسلسل تدور أحداثه فى إطار إجتماعي كوميدي حول النصب والنصابين، وهى “تيمة” ربما سبق وتناولتها العديد من الأعمال الفنية، لكن  الاختلاف هنا أن العمل يتسم “بالطزاجة” والمعاصرة وبالروح الخفيفة من كل العاملين فيه، فلا تجد رذالة أو استسهال في الجملة أو الإفيه.

100 وش يعيد الكوميديا الراقية للمصريين
“آسر ياسين” أطلقت “كاملة أبو ذكري” طاقته الهائلة في الكوميديا

منذ الحلقة الأولى وحتى الرابعة استمتعنا مجددا بالكوميديا الراقية التى عادت إلينا بعد أن غابت فى السنوات الماضية، من خلال سيناريو ذكي مليئ بالتدفق والتشويق والحركة، وخلقت الأحداث السريعة المتلاحقة التى شاهدنها كوميديا الموقف بمعنى الطرافة، وخفة الدم، وبراعة تركيب المفارقة وتوليد الموقف، واستغلال كل امكاناته، وأعجبنى فى السيناريو حيل “أحمد وائل وعمرو الدالي”  البارعة فى الكتابة الكوميدية فى تصعيد الموقف الواحد بحيث تتولد منه عدة مواقف جانبية، تبعث على الضحك الذي ينعش القلب والروح.

100 وش يعيد الكوميديا الراقية للمصريين
نيللي .. طافقة كوميديا كامنة في ثنايا التراجيدي التي قدمتها على مدار سنوات من قبل

كما أعجبني البساطة والحوار الذكي فى مشاهد كثيرة مثل مشهد مقابلة “عمر” لأصدقائه القدامى أمام باب نادي الجزيرة، وعلاقة عمر بوالدته، وعلاقة “سكر” بوالداتها وشقيقتها وأهل المنطقة التى تعيش فيها.

وكانت  “نيللي كريم” التى جسدت دور “سكر النصابة” مفاجأة جميلة في المسلسل لم نتوقع أن يكون أدائها بهذه الروح والجمال والطبيعية، وفجرت منها المخرجة المبدعة ” كاملة أبوذكرى” – التى أتحيز لإبداعها ولأي عمل تقوم به بشكل كبير- طاقات كوميدية مخزونة لم نكن نعلم جميعا أنها موجودة بداخلها، وكانت روحها خفيفة جدا، وطبيعية جدا فى هذا اللون الجديد عليها، وكونت مع “آسر ياسين” ثنائيا لطيفا خفيفي الظل على الشاشة، وحقق الاثنان معا قبولا هائلا عند الجمهور الذي صدق ما يتم بينهما.

وهذا ذكاء من المخرجة “كاملة أبو ذكرى” التى برعت في استخراج الكوميديا من الموقف ثم توليد الموقف من الموقف، وتوجيه قدرات الممثل نحو مناطق دافئة تقوى على صناعة الكوميديا النظيفة، إضافة لقدرتها المبدعة على “تلين” الممثل بمعنى تفجير الجانب الكوميدي فيه الذي قد لا يدركه هو نفسه حتى يخرج من صورته التى قد تكون جامدة أو ووقورة أو نكدية كما كانت ” نيللي كريم” مثلا، أو حتى مجرد “خفيفة الدم” مثل “آسر ياسين”، لكن ليس بما يكفي وبجرأة على اقتحام مجال الأداء الكوميدي الصرف.

100 وش يعيد الكوميديا الراقية للمصريين
إسلام إبراهيم صرخة كوميدية جديدة ونظيفة

كما جاء أداء النجوم “إسلام إبراهيم، سلوى محمد علي، حنان يوسف، لؤي عمران” ممتعا وشديد الجاذبية، وكانت “دنيا ماهر” مفاجأة سارة بأدائها الكوميدي الساحر في أداء دور “الممرضة” “الكاكة” كثيرة الكلام التى لا تفصل.

ونالت أغنية ” التتر”، “مليونير .. مليونير” كلمات شنيدي، وكنكا، وألحان الديزل، التى قام بغنائها فريق “المدفعجية” ومعهم ” نيللي كريم” إعجاب الكثيرين وأنا من هؤلاء، لأنها جاءت متوافقة وبشكل متطابق تماما مع أحداث المسلسل.

فى النهاية شكرا لشركة “العدل جروب” على إنتاج هذا المسلسل الكوميدي الراقي الذي أنقذنا من أعمال السماجة والرذالة والتفاهة التى سيطرت علينا السنوات الماضية، وماتزال تلك الأعمال تلوث شاشة رمضان هذا العام في تحد سافر، حتى جعلتنا نفقد الثقة في عودة الروح للكوميديا الممتعة التى نشأنا عليها، ونتمنى أن يظل على تدفق وحيوية أحداثه فى الحلقات القادمة، ومن هنا يمكنني القول بأن “100 وش” هو أفضل مسلسل كوميدي على الإطلاق في هذا الموسم الرمضاني ومن سبقه من مواسم كثيرة شهدت تدني مستوى الكوميديا في مصر، رغم أن المصري معروف عنه بأنه ابن نكته ويملك فلسفة خاصة للضحك حتى يمكنه التحايل على أعقد قضاياه السياسية والاجتماعية ومواجهة حكامه بالضحك من القلب، بل يستطيع تفجير الكوميديا من قلب المواقف الأكثر تراجيديا على جناح خفة الدم وروح الدعابة التي يتمتع بها على مدار تاريخه !!! وللحديث بقية..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.