رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المتعة والأذى في دراما رمضان 2020

بقلم : محمد حبوشة

لقد بات لمفهوم الدراما دور محوري في حياتنا المعاصرة وسياقاتها الثقافية المجتمعية، حيث يعتبرها أغلب علماء علم الاجتماع المعرفي “ظاهرة من ظواهر التاريخ الأدبي، ووثيقة من وثائق التاريخ الإنساني”، ويأتي ذلك في وقت أصبح السرد التليفزيونى فيه هو البديل المثالي لتسجيل حركة التاريخ القادمة من رحم الأحداث الجارية، جراء تطور صناعة الفعل الدرامي، كما تؤكد نبوءة أرسطو في كتاب الشعر: حيث يقول “إن التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، ولكن الدراما تكتب الأحداث كما كان ينبغي أن تقع”.

ومن ثم يطرح السؤال نفسه على الفور: هل الدراما الحالية فعلا قادرة رسم المستقبل المنشود بحسب تعريف أرسطو؟

ربما يشيرالواقع العملي إلى عكس ذلك ، قياسا بما عشناه من خلال مسلسلات رمضان خلال المواسم الثلاثة الماضية، والتي تعد متشابهة على مستوى الموضوعات التي غرقت معظمها في براثن الكوميديا الهزلية والعنف والغضب والغيبيات والتهويمات التي تخلط الدم بالصوفية في سياق مختلف، ناهيك عن مسلسلات رسخت لقتل الآباء وانتهاك الأمهات وسرقة المليارات، والذهاب بالخيال الواهي إلى داخل قصور فخمة، ومقاعد وثيرة ومخادع مخملية تخاصم أبسط قضايا البسطاء والمعذبين في الأرض، وعلى جناح العشوائيات وأوكار المخدرات جاءت أعمال أخرى في تكرار ممل يخاصم جماليات الفن ويصيب الناس بالأذي.

ومما سبق سوف نقوم باستعراض تمهيدي سريع لأبرز أفكار وقضايا دراما رمضان 2020، للوقوف على أسباب المتعة أو الأذى، مع تسليط أضواء سريعة على الظواهر التي تعتري المشهد بكامله، فضلا عن رصد دقيق لطرق ووسائل المنافسة المشتعلة بين الكبار وجيل الشباب، والتي تتأرجح في مستوياتها في مجالات الكوميدي والاجتماعي والفنتازي والأكشن المصحوب بالإثارة والتشويق، وهو ربما يؤشر باختلاف هذا الموسم عن سابقيه ونأمل أن تتحسن الصورة بشكل أفضل، لتثبت كيف يمكن للكوميديا على سبيل المثال دور مهم فى صميم حياتنا النفسية والاجتماعية، إذا يبدو الضحك فى جوهره ظاهرة اجتماعية ينبغي استدعاؤه الآن في ظل  الظرف العصيب الذي تعيشه مصر.

ما يزيد من مساحة التفاؤل بالمتعة أن الموسم الجديد يحمل في طياته جرعة أكبر في الكوميديا التي يحاول صناع تقديمها في قالب مختلف، فعلى الرغم من أن عادل إمام بمسلسله “فالنتينو” جاء على شكل موضوع اجتماعي لكنه بخلطة كوميدية تزيد هذا العام عن الأعوام السابقة، إلا أنه  حرص على ضم شخصيات جديدة إلى فريقه المعتاد، إلى جانب كبار النجوم الذين يحرص إمام كل عام على تواجدهم إلى جواره، في محاولة الحفاظ على اتزانه في أعماله التي يحاول من خلالها مواكبة العصر على مستوى الجرعة الكوميدية التي اعتاد عليها في كل مسلسلاته الرمضانية.

صحيح أن غالبية الأعمال الرجالية هذا العام يسودها جو من المشاجرات ومبارايات للعنف من وحي الواقع، كما بدا لنا من البرومهات خلال الأيام التي سبقت رمضان.. وربما تبدو كلها بملامح لمعارك دموية لن يحرمنا نجوم الدراما هذا العام من كل أنواعها وأشكالها على اختلافها وتعددها، فالنجوم – كما ظهر لنا – رفعوا شعار: “يا أهلا بالمعارك، وكأنهم في قرارة أنفسهم يقولون “يا بخت مين يشارك، بنارها نستبارك”، بداية من التشابك بالأيدي مرورا بالعصا والمطوة والسكين، انتهاءا بالمعارك بالريموت كنترول، ولكن علينا أن نتريث قبل الحكم إلى ما بعد المشاهدة.

وأول تلك المسلسلات التى سنجد فيها عنفا لطيفاغير مؤذي!، عنف بالأيادي والسنج والمطاوي والنبوت فقط، لإظهار نوع من شرف الفتونة في الزمن الماضي! هو مسلسل “الفتوة”، تأليف هانى سرحان وإخراج حسين المنباوى، والمسلسل من إنتاج شركة سينرجى، بطولة ياسر جلال، مى عمر، نجلاء بدر، أحمد صلاح حسنى، رياض الخولى، مها نصار”، وهو يسلط أضواء كاشفة من خلال الحلقات على الحياة الاجتماعية قبل 100 عام، من خلال “الفتوة” الذي يقدمه ياسر جلال هذا الموسم بشكل مختلف عن أدواره السابقة؟ وهذا ما يؤكد أنه عنف لذيذ وليس على شاكلة عنف هذه الأيام الذي يتسم في غالبيته على الغضب الأسود الذي يعترى الحارة حاليا.

ربما يجنح مسلسل “البرنس” إلى نوع من العنف ومؤمرات والدسائس بحسب قصة وسيناريو وحوار وإخراج “محمد سامي”، وبطولة “محمد رمضان، أحمد زاهر، إدوارد، محمد ‏علاء، محمد حاتم، نور اللبنانية”، لكن من الملاحظات الأولى يبدو لي المسلسل أشبه بقصة سيدنا “يوسف” مع إخوته، حيث يجسد “رمضان” شخصية سمكرى طيب مسالم، فى ورشة والده ولديه 6 أشقاء يدخلون معه فى صراعات طويلة ربما تكشف حلقات المسلسل عن نوع من المفارقات على مستوى الأداء التراجيدي الذي ظهر عليه “رمضان” في بداية حياته الفنية.

أما مسلسل “الاختيار” فهو الوحيد الذي يبدو فيه العنف مبررا إلى حد ما حيث يتحدث عن أحداث حقيقية واقعية معاصرة شاهدناها ولمسناها بأنفسنا خلال الفترة الماضية في حرب مصر ضد الإرهاب في سيناء، فأحداثه تدور حول حياة “أحمد المنسي” قائد الكتيبة 103 صاعقة، الذي استشهد في كمين “مربع البرث”، بمدينة رفح المصرية عام 2017، أثناء التصدي لهجوم إرهابي في سيناء، وكذلك يستعرض المسلسل في ربط غير تعسفي خيانة الإرهابي ‏”هشام العشماوي” الذي انضم لتنظيم داعش، كما يظهر العمل العديد من الجوانب الاجتماعية والإنسانية فى حياة البطل الراحل “أحمد منسي”.

المسلسل تأليف باهر دويدار، إخراج بيتر ميمي، وبطولة “أمير كراره، أحمد العوضي، دينا فؤاد، آسر ياسين، رضوى جوده، فضلا عن مجموعة كبيرة من النجوم الذين سيظهرون كضيوف شرف مثل “محمد رجب، محمد إمام، كريم محمود عبد العزيز، ماجد المصرى، صلاح عبد الله، إياد نصار، أحمد وفيق.

بعد فشله في تقديم الكوميديا، قرر النجم “حسن الرداد” تقديم “الأكشن” هذا العام على طريقته الخاصة – فهو من وجهة نظره الشخصية لا يقل مهارة عن “السقا، وأمير كراره، وياسر جلال، وهاني سلامه” – لهذا قرر أن يخوض تجربة جيدة في الإثارة والتشويق!، حيث يقدم لنا مسلسل “شاهد عيان”، وتدور أحداثه فى إطار بوليسى حيث يجسد فيه دور ضابط شرطة دائم الشجار مع زوجته وعائلتها التي يتم اختطافها وتموت، ويؤمن الجميع بموتها إلا هو فيظل يبحث عنها، وتقوده الأحداث إلى مفاجآت عديدة، المسلسل تأليف “أحمد مجدى”، إخراج “محمد عبد الرحمن حماقي”، ويشارك الرداد البطولة “وليد فواز، محمد لطفى، هنا شيحة، بسمة”.

نهاية مسلسلات النجوم الرجال التي يمكن المراهنة عليها هو مسلسل “النهاية” قصة وسيناريو وحوار “عمرو سمير عاطف”، إخراح “ياسر سامي”، بطولة “يوسف الشريف، عمرو عبدالجليل، ناهد السباعي، سهر الصايغ”، لكن هذا المسلسل يختلف عن سابقيه  في أنه ينتمي إلى الخيال العلمي، وتدور أحداثه في المستقبل، فسوف نرى العنف المستقبلي، وكيف تسقط عمارات وأبراج بضغطة على الزر على غرار الأكشن الأمريكي.

أما على على الجانب الآخر فبعد أن كانت المسلسلات النسائية موجودة بقوة وتنافس مسلسلات النجوم من الرجال بضراوة، إلا أنها هذا العام تأتي مغايرة تماما، حيث المنافسة الشرسة ستكون بين النجمات وبعضهن البعض، حيث توجد مجموعة كبيرة من المسلسلات بطلاتهن نجمات من أجيال مختلفة، فلأول مرة منذ سنوات طويلة تجتمع أجيال مختلفة من النجمات وتتصارعن داخل مارثون رمضان رافعة شعار “النساء تنافس النساء”، ومن ثم أصبح الرهان على البطولة النسائية واضحا جدا، بل ويشكل تحديا صريحاً للرجل أوالنجم الذى كان لسنوات قريبة يغرد بمفرده على أفيشات الشوارع ومقدمات ونهايات المسلسلات.

من المسلسلات التى ترفع شعار “إمرأة واحدة لا تكفي”، مسلسل “سكر زياده” الذي تجتمع فيه أكثر من نجمة كل واحدة منهن تمثل جيلا من الأجيال، وتمثل تاريخ فني قائم بحد ذاته، أولهم سيدة المسرح العربي “سميحة أيوب”، فهي من جيل العمالقة، ومن جيل آخر تأتي النجمات “نادية الجندي ونبيلة عبيد وهالة فاخر”، ومن الجيل الجديد “مي الغيطي”، فضلا عن ظهور نجمات كثيرات كضيوف شرف مثل “هيفاء وهبي، نانسي عجرم” وغيرهن.

وتطل علينا النجمة “يسرا” التى تمثل جيل آخر من خلال مسلسل “خيانة عهد”، وتشاركها البطولة مجموعة من النجمات من أجيال مختلفة مثل “حلا شيحة، عبير صبري، جومانا مراد، هنادى مهنا”، وغيرهن، المسلسل من تأليف “أمين جمال وأحمد عادل”، وإخراج “سامح عبد العزيز”، وإنتاج “العدل جروب”، و”الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”.

وهذا العام أيضا تدخل النجمة “غادة عبدالرازق” كعادتها السباق الرمضاني من خلال مسلسلها “سلطانة المعز”، وتمثل “غادة” الجيل التالي للنجمة “يسرا” مباشرة، المسلسل تأليف إياد إبراهيم، إخراج محمد بكير، ويشاركها البطولة كلا من “محمود عبدالمغني، محمد لطفي، محمد شاهين، دينا، محمود البزاوي، انتصار”.

ومن نفس الجيل تقريبا تخوض النجمتان “صابرين وغادة عادل” السباق الرمضانى بمسلسل “ليالينا” تأليف أحمد عبد الفتاح، إخراج أحمد صالح، ويشاركهما البطولة “خالد الصاوي، إياد نصار”، كما تودع نجمة جيل الوسط “نيللي كريم” النكد من خلال مسلسلها الجديد” 100 وش”، تأليف “أحمد وائل” و”عمرو الدالى”، إخراج “كاملة أبو ذكرى”، يشاركها البطولة مجموعة كبيرة من النجوم منهم “آسر ياسين، بيومي فؤاد، علا رشدى، إسلام إبراهيم، عمر الشناوي، محمد عادل”.

ولأنها غيرت جلدها الكوميدي العام الماضي فإن “ياسمين عبدالعزيز” تناقش في مسلسها “ونحب تاني ليه” العديد من قضايا المرأة  التي كتبها عمرو محمود ياسين، إخراج ‏مصطفى فكري، ويشاركها البطولة “شريف منير، كريم فهمى، سوسن بدر، إسلام جمال، بدرية طلبة، إيمان السيد” وغيرهم.

بعد تجربة البطولة المطلقة في موسم رمضان 2019، تأتي “ياسمين صبري” التي تمثل جيل النجمات الشابات، لتنطلق نحو النجومية من جديد ، من خلال مسلسل “فرصة تانية” تأليف مصطفى جمال هاشم، معالجة درامية محمد سيد بشير، إخراج مرقس عادل، ويشاركها البطولة “دياب، أيتن عامر، هبة مجدى، أحمد مجدى، إدوارد، محمود البزاوى، محمد جمعة، تميم عبده”، وغيرهم.

أما النجمة الشابة “دينا الشربيني” التي تنتمي لنفس جيل الشابات فتقدم لنا مسلسل جديد بعنوان “لعبة النسيان” مقتبس من فورمات مسلسل إيطالى، وينتمى لنوعية أعمال الدراما الاجتماعية، سيناريو وحوار تامر حبيب، إخراج هاني خليفة، ويشاركها البطولة “أحمد داود، إنجي المقدم، محمود قابيل، رجاء الجداوي”.

ومن نفس الجيل تأتي النجمة الشابة “ريهام حجاج” فرصة ثانية في البطولات الدرامية من خلال مسلسل “لما كنا صغيرين” تأليف أيمن سلامة، إخراج محمد علي، ويشاركها البطولة “خالد النبوى، محمود حميدة، نسرين أمين، كريم قاسم، نبيل عيسي، محمود حجازي، وضيفة الشرف سوزان نجم الدين”.

وأحدث جيل إنضم لجيل النجمات الشابات هى “أمينة خليل” التى تخوض أول بطولاتها التليفزيونية من خلال مسلسل “ليه لأ”، من تأليف ورشة تحت إشراف السيناريست مريم نعوم، إخراج مريم أبوعوف، ويشاركها البطولة “هالة صدقي، محسن محيي الدين،عبد الرحمن أبو زهرة، هاني عادل، عمر السعيد، شيرين رضا، “.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستقدم كل هذه المسلسلات صورة مضيئة للرجل والمرأة في لوحة دراما رمضان 2020، بحيث تصبح ملاذا آمنا في ظل جائحة كورورنا؟، أم أنها ستكون مجرد حكايات لطيفة ومسلية فقط؟ .. هذا ما سنراه خلال الأيام القادمة، ويبقى للجمهور الكلمة الفصل في الإصابة بالمتعة أو أنها دراما ماتزال تحلق في أجواء تجر علينا الأذى؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.