رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

“الورد الأحمر” كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا

* النجمة كاميليا كانت السبب في تعارف الفتى الأباظي وراقصة مصر الشهيرة

* الدنجوان يطلب الزواج من تحية بعد سهرة عائلية

* قضيا أجمل الأيام ولم يفسد هذه الأيام إلا ظهور…؟!

"الورد الأحمر" كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا

"الورد الأحمر" كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا
تحية كاريوكا في شبابها

كتب : أحمد السماحي

كان رشدي أباظة غواصاً في بحر النساء، يغادر قلبا إلى آخر، ويسدل الستار على قصة ساخنة ليبدأ فصول حكاية غرامية جديدة، ولكن الأمر لم يكن بالنسبة له مثيراً بهذا القدر، فثمة حزن ظل يسكن هذا القلب الجريح ويدفعه دائما إلى البحث عن الحب الحقيقي، وفي غمرة البحث كان العذاب هو النهاية الحتمية لكل قصة حب، وكأن “الفتى الأباظي” مكتوب عليه أن يبحر بعيدا وراء وهم يعرف ملامحه وقسماته، ولكنه يخطئ طريقه دائما، وهكذا كان عليه أن يواصل البحث وهو يعيش بين الناس بجرحه النازف الذي لا يدركه أحد.

غير أن النجمة الراقصة (تحية كاريوكا) كانت قصة أخرى في حياة “الدنجوان” فهي ليست “آني برييه” أو “فلورانس” أو حتى “كاميليا” نجمة الإغراء والأنوثة، فقط كانت “تحية كاريوكا” بدون ألقاب أو أوصاف.. مزيج نادر من الجمال والشقاوة و”جدعنة” بنت البلد المعجونة في خفة الظل والإثارة، وكان “رشدي” مثل كل رجال هذا الزمن يخشى النظر إلى عينيها، فقوة شخصيتها وأنوثتها الطاغية تجعل ذلك أمراً صعباً للغاية، لذا كان طبيعياً أن يستدعي “رشدي” الأسلوب الأباظي القديم في مواجهته معها، خاصة بعد أن وقفت “تحية كاريوكا” بجواره بعد وفاة حبيبته وصديقتها النجمة “كاميليا”، وأعطته مفتاح سياراتها يتحرك بها وقت ما يريد.

وذات يوم تلقى “رشدي” مكالمة هاتفية من “تحية” التي وجهت إليه الدعوة لتناول الغداء في منزلها، يومها كاد يطير فرحا، واعتقد أنه وصل بالفعل إلى قلبها، وظل يضع سيناريوهات اللقاء وفقا لحبه الجارف لها، غير أن ما حدث كان عكس ما توقعه، أو تمناه، فقد طرق الباب في الموعد المحدد، ففتحت تحية بنفسها، وكاد يفقد اتزانه وهو يراها أمامه بملابس البيت المتواضعة للغاية، وأطل برأسه ليجد المنزل مزدحما بالضيوف، دخل متثاقل الخطوات، فوجد والدتها وبعض أقاربها ومصمم رقصاتها “إيزاك ديكسون” وزوجته “نيني”.

"الورد الأحمر" كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا
جلسة عائلية في بيت تحية

واستقبله الجميع بسعادة وترحيب، وسأله أحدهم عن أخبار السينما، فأجاب ضاحكا: العصمة في يدها ويبدو أنها طلقتني، والحقيقة أنه حاول أن يبدو مرحا حتى لا يكون مثار شفقة الحاضرين، وردت تحية بمنطق “بنت البلد” بأنه سيصبح قريبا نجما كبيرا، لحظات وجاءت والدتها لتعلن أن “السفرة” جاهزة، فقالت تحية بخفة دم: “يلا علشان تطفحوا “فضحك الجميع وصمت “رشدي”، فأدركت أن لديه تحفظا على عبارتها، وبذكائها تعمدت تخليصه من “العرق الأباظي” المعروف وقالت له: “أنت يا سعادة البيه اتفضل علشان تطفح”، فضحك وازداد إعجابه بها.

الأباظي الغامض

على مائدة الغداء شعر رشدي بالجو الأسري الذي يفتقده،  وبعد تناول الطعام جلس الجميع يتبادلون النكات والأحاديث الضاحكة، ونظر “إيزاك ديكسون” إلى زوجته وسألها: كيف ستنقلين أخبار هذه الليلة إلى الناس؟ فضحكت وهى تجيب: كله إلا ما يتعلق بتحية، فهي تستعمل الحذاء في التفاهم!.

في تلك السهرة شعر الفتى الأباظي بأن تياراً جامحاً من الانجذاب يجرفه إلي “تحية”، ولأن النظر إلى عينيها لا يجب أن يطول، فقد “خطف” نظرة مفعمة بالدفء، ثم تجاسر وألقى برجولته على أعتاب أنوثتها.

زواج رشدي من تحية

قالها “رشدي” ببساطة تخفي وراءها صراعاً عنيفاً وخوفاً جارفاً “تتجوزيني يا تحية”، ولكن هذه البساطة وذلك الصراع لم يجدا لدى “تحية” سوى تلقائية وخفة بنت البلد، حيث رفعت يدها إلى جبهته، وتحسستها وهي تقول بلهجة ساخرة “أنت ساخن ولا إيه يا رشدي”، فالتقط يدها ونقلها من “جبينه” إلى صدره، وقال بنفس اللهجة “الحرارة.. كلها هنا يا تحية”، وكان طبيعيا أن تتعامل “تحية” مع الأمر كدعابة وتحاول تلمس مدى جدية هذا الشاب “المجنون” ، فوقفت بسرعة ونادت على كل الموجودين في المنزل وبنفس اللهجة الساخرة .. قالت:

يا جماعة .. سمعتم آخر خبر؟!

فردوا بصوت واحد:

إيه.. يا تحية؟

فقالت بضحكة صارخة:

تتصوروا إن رشدي عايز يتجوزني؟!

وتوقعت “تحية” أن يتعامل الجميع مع الأمر باستخفاف باعتباره “نكتة” السهرة وينتهي الأمر عند هذا الحد، ولكن ما حدث كان غير ذلك، فقد هللوا جميعاً ونطقوا في صوت واحد “مبروك.. يا تحية” وبينما تسمرت مكانها دون أن تنطق بكلمة واحدة، انطلق “رشدي” إلى الخارج بعد استئذان الحضور، لحظات قليلة وعاد وفي يده “الشيخ حسن” مأذون الفنانين، وبدا الموقف وكأنه مشهد سينمائي هزلي، ولم يكن أمام الاثنين – رشدي وتحية – سوى الرضوخ لمشاعر الانجذاب بداخلهما، وبالفعل تم الزواج، وطبع رشدي قبلة ساخنة على جبينها، وتعاهدا على أن يعيشا معا إلى الأبد.

"الورد الأحمر" كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا
مدرب الرقص الشهير إيزاك ديسكون مع رشدى وتحية ليلة زفافهما

غضب الأم

استقبلت والدة ” تحية” خبر زواج ابنتها بزغرودة وسعادة غامرة، وفي الصباح ذهب “رشدي” إلى والدته ليخبرها بزواجه من “تحية كاريوكا”، وما كاد ينطق حتى انفجرت الأم ثائرة، ودون أن يسألها عن السبب، بادرته بكلماتها الموجعة “أنت أباظي تميل إلى الامتلاك والتسلط والغيرة في دمكم كلكم.. إزاي هتقبل تشوف زوجتك بترقص للعيون الجائعة؟! .. وقعت الكلمات عليه كالصاعقة، ورغم ثقته في زوجته إلا أنه أدرك أن الغيرة سوف تمزقه لاسيما أن نجوميتها الطاغية ستجعل الجميع يلتفون حولها، وقبل أن يتلاعب “الكلام” بعقله، غادر البيت مسرعاً دون أن يتعهد لأمه بأن يحضر “تحية” للتعارف بناء على طلبها.

في “ميدان” آخر، سادت الدهشة الوسط الفني تجاه خبر الزواج المفاجئ، فكيف لـ “تحية كاريوكا” النجمة الشهيرة أن تتزوج شاباً مجهولاً لم يحقق نجاحاً يذكر في عالم السينما؟! وكانت إجابة “تحية” الوحيدة: اسألوا قلبي الذي أحبه! وبدأ (رشدي) يظهر مع زوجته في كل الأماكن، وتعرف على معظم رجال السينما في مصر، ورغم سعادته كان الضيق يمزقه في أحيان كثيرة، لاسيما عندما يشعر بأن أحدا لا يعرفه، وأنهم يتعاملون معه باعتباره “زوج تحية” الفنانة الكبيرة، معشوقة الجميع، وبنت البلد التي تقف بجوار الضعيف والمحتاج.

أمه تستقبل تحية بالفتور

كان العروسان يقيمان في منزل “تحية” وبينما كانت والدتها تعامله كابنها، قرر “رشدي” دعوة “تحية” إلى تناول العشاء عند والدته حتى يتم التعارف بينهما، وفي منزلها بـ “الأوبرا” استقبلت والدته زوجته الجديدة بفتور واضح، لذا كان طبيعياً أن تحوم حوله “تحية” عند عودتهما إلى البيت لتبلغه بالإيماءات أن لديها شيئا ما تريد أن تقوله، فسألها عما لديها، فأجابته بشئ من الدلال “لو كلمتك بصراحة.. مش هتزعل مني” فأجاب بالنفي، فقالت بصراحتها المعهودة، “أنا لم أحب والدتك” فسألها عن السبب.

فقالت “بصراحة شعرت بأن بيني وبينها حاجزا، وأنها مزيفة المشاعر”، فما كان منه إلا أن قال رغبة في إنهاء الكلام “يمكن علشان دي أول مرة تتعرفان فيها على بعض، وأكيد بمرور الأيام سوف تتقربان أكثر”.

شاطئ الغرام

مرت الأيام السعيدة في حياة “الدنجوان” وراقصة مصر الأولى، وفي صباح يوم مشرق بابتسامتها “الشقية” حضر المخرج المعروف “هنري بركات” ومساعدوه للاتفاق مع “تحية” على دورها في فيلم “شاطئ الغرام” بطولة “ليلى مراد وحسين صدقي”، وبعد مناقشات حول الفيلم قالت لهم “تحية” إنها سعيدة للغاية بالسيناريو وبدورها الجديد، ولكنها رفضت بدء التصوير قبل عودتها من رحلتها إلى لبنان، واستطردت ببساطتها المعهودة “أريد أن يعمل معي رشدي في دور الصديق الوفي لبطل الفيلم “حسين صدقي”، وبذلك نحقق معادلة طريفة “أنا ف دور الصديقة الشريرة وهو في دور الصديق الوفي” ولم تكد “تحية” تنهي كلماتها حتى انتفض “رشدي” واقفاً واستأذن الحضور ثم أغلق على نفسه باب غرفة النوم، وشعر الجميع بتأزم الموقف، فانصرفوا على موعد آخر لمناقشة السيناريو، وأسرعت “تحية” إلى الغرفة لتجد زوجها يجلس “كسيراً” في أحد الأركان.

"الورد الأحمر" كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا
في أثناء عقد زواج رشدي على تحية

سألته برقة عن سبب غاضبه المفاجئ فانفجر غاضباً للمرة الأولى منذ زواجهما، وصرخ في وجهها قائلاً: “إنتي إزاي تشترطي على بركات أن أعمل معكم في الفيلم دون أن يرشحني هو أو أحد مساعديه؟!”، فردت: “وفيها إيه يا حبيبي، إحنا زوجين ويجب أن نقف بجوار بعض”، فقال: بحزم قاطع “أرجوك يا تحية لا تتصرفي هكذا مرة أخرى، والمناقشة ممنوعة في هذا الأمر”، وكانت المرة الأولى التي تشعر فيها (تحية) بالخوف منه، ولكنها شعرت أيضاً بأنها بين يدي رجل يحافظ على كرامته، فانحنت وقبلته، واعتذرت له هامسة: “كنت فقط أريدك بجانبي في كل لحظة، سواء في البيت أم البلاتوه”.

رحلة العذاب

بعد هذه الواقعة قرر “الفتى الأباظي” الجريح أن يكون أكثر واقعية، وأن يطرق أبواب شركات الإنتاج ليعرض عليها نفسه على أمل أن يجد عملاً في السينما، ولكن محاولاته باءت بالفشل، إذ كان الجميع يعتقدون بأنه لا يصلح إلا “زوجاً لتحية كاريوكا”، حتى إنه كان يتلقى وعوداً بأدوار في أفلام جديدة، ثم يفاجأ بعد ذلك بإسنادها إلى آخرين.

وظل الزوج الوسيم على هذه الحال، حتى جاء موعد سفر “تحية كاريوكا” إلى لبنان للعمل لمدة شهر في أحد أشهر الملاهي الليلية هناك “ملهى سيروس” وعرضت عليه مرافقتها في الرحلة فوافق في البداية، ثم عاد وفكر قبل السفر بليلة واحدة في “وضعه” خلال الرحلة، وبعد تفكير عميق آثر أن يفارق زوجته الحبيبة على أن يرافقها ويتنازل عن كرامته، وتقبلت “تحية القرار بخليط من الغضب والتفهم، وفي الطريق إلى المطار وعدها “رشدي” بأن يلحق بها في أقرب فرصة، ثم اختفى من المطار قبل أن يودعها حيث كانت تعلم أنه لا يحب لحظات الوداع.

عاد “رشدي” إلى منزل والدته في ميدان الأوبرا، ومرت الأيام ثقيلة متباطئة، وشعر بالوحشة والغربة بعيداً عن “تحية” فلجأ إلى صديقه وقريبه “وجيه أباظة”، وفي أول سهرة روى له ما حدث وسأله عن رأيه الخاص، فنصحه “وجيه” بالسفر فوراً إلى بيروت حتى يكون بجوار زوجته.

اللقاء الساخن

في ملهى “سيروس” كانت تحية تقدم فقرتها الراقصة كل ليلة، وفي إحدى الليالي أخذت طريقها كالعادة إلى فندق “سان جورج” حيث تقيم، وبمجرد أن فتحت باب غرفتها وجدتها مفروشة بالورد الأحمر، فاتجهت مندهشة إلى (التليفون) لسؤال إدارة الفندق عن مصدر هذا الورد، وقبل أن يرد أحد، وجدت باب الغرفة “يفتح بهدوء” ويدخل “رشدي” بطلعته الجذابة، كان لقاء حالماً ساخناً لم يتوقعه كل منهما، فقد ذابت في أحضانه، وعبر كل منهما للآخر عن مدى الافتقاد والشوق.

أيام عسل جديدة قضاها الحبيبان بين جبال لبنان الساحرة، وفي إحدى الليالي دعا “رشدي” زوجته إلى قضاء السهرة في ملهى “الكيت كات” الشهير وبينما جلسا في سعادة غامرة انطفأت أنوار الصالة استعداداً لاستقبال مطربة الملهى، لحظات وتدوي “الصاعقة” في قلب الفتى الأباظي، ففي الأضواء الخافتة خرجت إلى “البيست” المطربة الفرنسية “آني برييه” زوجة “رشدي” الأولى، ولم يتحمل الفتى المفاجأة فهب واقفاً وسط نظرات “تحية كاريوكا” النارية!

وقبل أن يستوعب الصدمة جلس محاولاً استعادة هدوء الفتى الأباظي الشهير.. أما “تحية” فقد استدعت دهاء الأنثى واختارت الصمت حتى تتبين الخيط الأبيض من الأسود في الموقف الساخن!

"الورد الأحمر" كان رسول الغرام بين رشدي أباظة وتحية كاريوكا
خبر طاقهما منشورا على صفحات المجلات

خناقة نسائية

“تكهرب” الموقف واشتعلت الأجواء عندما بدأت “آني” في الغناء.. كانت ما تزال “زهرة برية” جميلة وحالمة.. شدت بأغنيتها الأولى قبل أن تلمح الحبيب القديم.. وحين اتسعت مساحات الضوء في الصالة انحنت لتحية الجمهور، وقبل أن تبدأ في الأغنية الثانية لمحت “رشدي” بين الجالسين، وبينما غالبت رد الفعل المتوقع وجهت نظراتها إلى الجالسة بجواره فاكتشفت أنها (تحية كاريوكا) النجمة السينمائية الكبيرة فأشارت إلى الفرقة الموسيقية بالتوقف، ثم وجهت كلمة للزوجين بقولها “يوجد بيننا الآن نجمان كبيران من مصر التي عشت فيها أجمل أيام حياتي، “رشدي أباظة وتحية كاريوكا”، فضجت القاعة بالتصفيق، ثم عادت للغناء ولكن بصوت آخر.. وأحاسيس أخرى.

كان الحبيب والزوج القديم بين الحضور، لذا لم يكن في مقدور “آني برييه” أن تقاوم حنينها الجارف إليه، وبينما تكاثفت الصور والمشاهد القديمة أمام عينيها، راحت تختلس النظرات إلى عينيه لعلها تلتقط نظرة حنين مماثلة، وفي نهاية فقرتها الغنائية قدمت أغنيتها الشهيرة “من أجله” والتي تحمل ذكريات مشتركة بينهما، ولكنها أضافت إليها “كوبليه” لم يكن موجوداً في الأغنية الأصلية، وقالت فيه:

لو قال لي يوماً أنه يحب غيري

فإنني من أجله أتركه لغيري

ولكن الويل لغيري لو حطمت قلبه

فإنني سأحطمها .. من أجله

صوبت “آني” كلمات الأغنية إلى “تحية” كطلقات الرصاص فوصلت رسالتها بوضوح، لذلك فعندما غادرت القاعة بدأ استجواب “تحية” لزوجها بسؤال مفاجئ:

أنت كنت عارف إنها تغني هنا؟

فأجاب بالنفي محاولاً إنقاذ الموقف المتفجر، فواصلت الأسئلة:

إذن.. لماذا اخترت هذا المكان؟!

فأجاب: يا “تحية” أنا لا أعرف بيروت جيداً، وكل الموضوع أن أحد أصدقائي هو الذي نصحني بالسهر في هذا المكان وقبل أن تمطره بسؤال آخر، فوجئ الاثنان بـ “آني” تقف بينهما وعلى ثغرها ابتسامة عذبة، وكان طبيعياً أن يدعوها “رشدي” للجلوس معهما، فقبلت على الفور وجلست بجوار “تحية” وازدادت الأجواء توتراً وقلقا عندما بدأت “آني” في الثناء على “رشدي” وتنبأت له بمستقبل فني رائع، وانتهت السهرة المثيرة، وخرج الجميع إلى “موقف السيارات حيث كانت (عواطف شيتا) “لبيسة” تحية في انتظارها، وعند الوداع الجاف أخرجت “آني” من حقيبتها صورة لها ثم كتبت عليها إهداء قالت فيه “مع كل حبي لاثنين أعزاء، تحية ورشدي مع أحلى الذكريات”.

اعتبرت “تحية” الصورة والكلمات موجهة إلى “رشدي” فقالت لـ “آني” بشئ من الغضب: لم نطلب منك صورة، فردت المطربة الفرنسة: أنا عملت كده علشان الصدفة الجميلة، وربما لا نلتقي مرة أخرى”، وبينما احتدم النقاش بينهما، اقتحمت “عواطف” الموقف محاولة الاعتداء على “آني” لولا تدخل “رشدي” وطلبه من زوجته ركوب السيارة، ثم دفع “عواطف” بقوة فكادت تسقط على الأرض، ولكن “تحية” دافعت عنها قائلة “إنته عايز تضربها من أجل هذه “….”، فرد ثائراً “لقد كانت في يوم من الأيام زوجتي، ثم اعتذر لـ “آني” التي ركبت سيارتها وهي في حالة ذهول تام.

الورد الأحمر

عاد الزوجان إلى الفندق وفي قلبيهما جرح غائر لحظتها لم يدرك كل منهما أن بذرة الانفصال غرست في أعماقهما، لذا فحين احتدم النقاش حول تفاصيل الموقف وصلت العبارات المتبادلة إلى حافة “الشتائم”، فما كان من “رشدي” إلا أن غادر الفندق متوجهاً إلى أحد الملاهي الليلية، بعد أن قرر العودة إلى القاهرة حتى تهدأ “تحية” وتنسى ما حدث.

مرت عدة أيام من الفراق والهجر، وفكرت “تحية” في فسخ عقدها مع ملهى “سيروس” والعودة إلى القاهرة لتلحق بزوجها في القاهرة،  فقد كانت “تحية” برغم نجوميتها وشهرتها تعشق الحياة الأسرية، حتى أنها فكرت كثيراً في الإنجاب من “رشدي”، وذات يوم عادت من الملهى لتجد باقات الورد الأحمر تملأ الغرفة فكادت تطير فرحاً وهي تراه واقفاً أمامها، وعاد الدفء إلى العلاقة بينهما، وظل “رشدي” بجوارها حتى أنهت عقدها في بيروت وعادا سوياً إلى القاهرة.

بدت القاهرة وكأنها كانت تنتظر “تحية كاريوكا” على أحر من الجمر.. فقد أمطرتها شركات الإنتاج والمخرجون بالعقود الجديدة، فانهمكت في العمل، وعاد “رشدي” إلى الوحدة والعذاب بين جدران المنزل، حتى السهر خارج البيت كان يخشاه كي لا تغضب زوجته، ومر عامان على هذه الحال، النجمة الكبيرة تملأ الدنيا عملاً ونجاحاً، والشاب المجهول جالس في البيت دون أن يسأل عنه أحد، وعندما شعر “رشدي” أنه يوشك على الانفجار قرر أن يبوح بما في داخله لابن عمه “وجيه أباظة”، فاتصل به واتفقا على الالتقاء في “جروبي” وفي الموعد المحدد وجد “رشدي” وجيه وبصحبته ابن عمهما الثالث “رياض أباظة” المعروف وسط العائلة بخفة ظله وعشقه للسهر والليل.

بعد كلمات التعارف والترحيب، فوجئ رشدي بـ “وجيه” يخبره بعدم استطاعته الجلوس معه كثيراً لارتباطه بأعمال كثيرة، وقال الضابط بلهجة جادة : “اسمع يا رشدي.. أنا مكلف ببعض الأعمال العسكرية ولن استطيع البوح لك بها الآن ولذلك فضلت أن أعرفك بابن عمك “رياض” كي تلجأ إليه إذا واجهتك أي مشكلة، وسوف أكون قريباً منك إذا احتجت أي شئ عاجل” – وفيما بعد عرف الجميع أن وجيه أباظة كان أحد الضباط الأحرار في ثورة يوليو – وبعد انصرافه كانت أول كلمات يقولها “رياض” لابن عمه “رشدي”: بلا تفكير في أي مشاكل أو هموم.. يلا بينا نخرج وننبسط”، وأخذه وذهبا إلى أحد أصدقائه في شارع “محمد علي” وقضيا السهرة هناك.

بداية النهاية

خرج الطير من العش، وحلق العصفور خارج القفص الذهبي فغضبت “تحية”، وسألته حين عاد عن سبب التأخير والسهر خارج المنزل، وازداد غضبها عندما علمت أنه كان في شارع “محمد علي”، وأخبرته ثائرة بأن ذلك قد يعرضها للحرج بسبب وجود معظم أفراد فرقتها الموسيقية هناك، ثم قالت في غمرة الغضب “الظاهر إنك نسيت إنته متجوز مين”، لم يتمالك “رشدي” نفسه في مواجهة هذه الكلمات فهوى بصفعة عنيفة على وجهها، فانهمرت دموعها ولاذت إلى حجرتها وأغلقت الباب، كان بداخلها إحساس بأنها أخطأت في حقه وجرحت كرامته، وبات كل منهما ليلته بجفون مفتوحة وقلب نازف، وفي الصباح اعتذار “رشدي” لها.. وقال بصوت متهدج “كنت دائماً أخشى أن يأتي اليوم الذي تشعرين فيه أنك نجمة كبيرة وأنني مجرد كومبارس لا يعمل”، فاحتضنته “تحية” واعتذرت له ، وطلبت منه عدم الخروج اليوم لحضور دعوة الغداء مع بعض ضيوفها، وفي الحفل كان كل شئ طبيعياً، أحاديث متبادلة ومجاملات، ولكن ضيفة واحدة شقت “الصمت العاطفي” الذي كان يلف “الدنجوان” منذ تزوج “تحية كاريوكا”.

حب جديد

وسط ضيوف المأدبة كانت تجلس بنظراتها المفعمة بالسخونة، لم ترفع عينيها عن عينيه، ودون جدوى حاول الانزواء بعيداً حتى لا يقع أسيراً لها، لاسيما أنها إحدى قريبات “تحية”، ولكن إصرار الأنوثة كان يدعوه لبدء رحلة جديدة في دنيا النساء، المهم انتهت السهرة وخرجت “تحية” لارتباطها بتصوير أحد الأفلام، وعاد “رشدي” من جديد إلى ابن عمه “رياض” وتدريجياً تحولت حياته إلى فوضى وسهر وشرب بعد سنتين من الانضباط، ولأنه كان يمر بأكثر فترات الضعف في حياته فقد وقع سريعاً في حب “الفتاة” رغم مقاومته، ووصل الخبر بنفس السرعة إلى “تحية” من عيونها المنتشرة في الوسط الفني، وظلت صامتة حتى تأكدت من “الخيانة” وثارت كالبركان المتفجر.. وقررت وضع نهاية لهذا الزواج، فحاولت استدعاء “وجيه أباظة” لإتمام المهمة، ولكنها لم تعثر عليه، فلجأت إلى خالها واتفقت معه على مغادرة القاهرة إلى أن يتم الطلاق، وقالت له بحدة غضبها المعروف “لا أريد البقاء هنا.. لأنني إذا رأيته ربما أقتله”، وبالفعل التقى خالها بـ “رشدي” وأقنعه بضرورة الانفصال لأن “تحية” لا تغفر الخيانة أبداً.. فوافق وطلقها ليبدأ مرحلة جديدة من حياته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.