رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتى مع ديزنى (5) .. بصمة صوت

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

كان شريط الاختبار ( test ) الذى أرسلته شركة ديزنى يتضمن جملا مختارة بعناية لكل شخصية، و من مواقف متعددة فى الفيلم، وكأنه اختبار لقدرة الممثل على إيصال المعنى و الإحساس من خلال الصوت، و كان المطلوب تسجيل تلك المشاهد لكل شخصية بثلاث ممثلين مختلفين، و الشركة ستختار واحدا منهم، وكان التساؤل فى داخلى : “هل يفهمون اللغة العربية ليعرفوا من هو أفضل مؤدى للشخصية ؟” 

أعدت قراءة ملف ديزنى لأتعرف أكثر على مواصفات الشخصيات، و شاهدت فيلم (الاختبار) عدة مرات ووضعت عدة ترشيحات لكل دور، والتزمت بطلبات نص عليها الملف المرسل.

فقد كانت ديزنى تصر على عدة طلبات أولها: لا تغيير فى صوت الممثل بمعنى ألا يستخدم الممثل صوتا مستعارا، و ثانيها: لا ادعاء فى السن، بمعنى أنهم لا يقبلون أن يؤدى رجل أو سيدة دور طفل،  فلابد أن يؤدى أدوار الأطفال من هم فى نفس السن. 

كانت المسألة  واضحة أمام عينى، أن العمل يتطلب صدق المشاعر و المهارة فى إيصال إحساس الشخصية كما رسمتها ديزنى، ومن هنا اعتقدت أن المشكلة ستكون فى دور “سيمبا” وهو طفل، فالشخصية مليئة بالأحاسيس و المشاعر المتناقضة فى مساحة زمنية صغيرة، مما يصعب على الأطفال تأديتها.

وكانت الصعوبة أيضا فى الأدوار الغنائية لذا كان من الأفضل اختيار مطربين أو ممثلين يستطيعون الغناء وإلا فعلينا اختيار صوتين متطابقين لأداء نفس الشخصية، أحدهما يمثل والآخر يغنى، بحيث لا يشعر المشاهد بأى فرق بينهما. فكيف بالله نجد هذا التطابق، وكيف نجد ممثلا مغنيا أو العكس، ومن المعروف أن من يجيدون المهارتين قلائل؟

قررنا استدعاء مجموعة من الممثلين لإجراء الاختبار، ولكن كانت المشكلة الأكبر فى تسميته اختبارا، ومضت عدة أيام نحاول ترجمة كلمة (Test) إلى كلمة أخرى، فمعظم ممثلينا فى المنطقة العربية يرفضون إجراء اختبار للحصول على دور، و لم تكن مقابلات الكاستينج (تسكين الأدوار) معروفة فى ذلك الوقت، وكنت متأكدا أنه من المستحيل أن يقبل كبار الممثلين مثل هذا الاختبار .

فجأة لمعت تسمية فى ذهن سمير حبيب تحل كل المشكلة ، سنقول إنها “بصمة صوت” هدفها الأول التعرف على خامة صوت كل ممثل، و حددنا موعدا نبدأ فيه الاختبار واتصلنا بالمممثلين المرشحين، و فى اليوم الموعود فوجئت بزحام فى الاستوديو غير عادى، فلقد حضرت أَسر بكامل أعضائها لأن الابن أو الابنة ستجرى اختبارا، بالإضافة إلى أنه فى الاستوديو المجاور كانت اختبارات الغناء لنفس الفيلم، وكثيرا ما أرسل لى سمير حبيب بعضا من المغنيين ليجروا اختبار التمثيل إذا وجد أنهم يجيدون أداء الشخصية غناءً، وهكذا ازدحم الاستوديو.

مضت الاختبارات فى سلاسة ويسر ولم يعكر صفوها سوى الزحام و إصرار البعض على تخطى الترتيب فى الدخول، وكانت نتيجة اليوم الأول كم ضخم من الأصوات، ولكن الملحوظة الهامة كانت أن جميع محترفى الدوبلاج المصرى السابق فشلوا فى الاختبار، ذلك إنهم بالغوا فى التمثيل والبعض منهم أصر على استعمال صوت مستعار برغم تنبيهه عدة مرات، بل إن أحدهم – و للأسف كان من تلاميذى سابقا – أصر على أداء مختلف تماما عن المطلوب تحت دعوى إنه فنان و من حقه الإبداع فى الدور من عندياته، وأنه لن يقلد الأصل الأجنبى، و حاولت مرارا و تكرارا أن أفهمه إنه لن يقلد ولكنه مرتبط بالإحساس الذى يعبر عنه الرسم فى الفيلم، فاذا كانت الشخصية غاضبة فعليه أن يغضب وبنفس حجم غضبها فى الصورة لا أكثر و لا أقل،  ولكنه تصور أننى أطالبه بتقليد الصوت الأصلى.

ممثل آخر من هؤلاء المحترفين أصر على استعمال صوت لدمية كان يؤديها فى برنامج شهير، وعندما طالبته بالالتزام بنوعية الصوت المطلوبة قال فى تفاخر واضح: كل الأطفال عارفين الشخصية دى وهايحبوا يسمعوا صوتها، قلت له ولكنه فيلم لديزنى وليس البرنامج الذى تعمل به.

أما ما أضحكنى هو طلب أحد هؤلاء الممثلين محترفى الدوبلاج أن يقوم بأداء عدة شخصيات فى الفيلم، وأنه قادر على تغيير صوته ولن يكتشفه أحد فى مقابل أنه لن يأخذ أجرين عن الشخصيتين، ولكن أجر ونصف، و عندما قلت له إن أحد شروط ديزنى ألا يمثل أحد شخصيتين أو يغير من صوته، قال بكل ثقة: و لا هيعرفوا (!!!!)

وهنا أدركت سبب تردى حال الدوبلاج المصرى، و لماذا يفتقر إلى الجودة، و تأكدت أننى لن أعمل مع ممثلين من محترفى الدوبلاج، وإنه مكتوب علينا أن نغامر (أنا و الممثلين الذين سيتم اختيارهم) فجميعنا فى مضمار جديد علينا تماما، ولا نملك فيه أى خبرة .

……………………………………………………

انتهى اليوم الأول للاختبارات وجمعت الحصيلة وجلست أستمع إليها، استبعدت البعض وأعدت ترتيب البعض ووجدت أننى فى احتياج لاختبارات أخرى فى بعض الشخصيات، واتفقت مع سمير حبيب على حجز الاستوديو لاجراء مزيد من الاختبارات، وعندما اتصلنا ببعض الممثلين فوجئت بأحدهم – و كان صديقا – يخبرنى بأن هناك من يقول: لا تعطوا لديزنى بصمة الصوت التى يسجلونها، فالشركة ستأخذ بصمة الصوت هذه وتضعها فى أجهزتها لتقوم الأجهزة بتقليد صوتك، و عن طريق تلك الأجهزة  سيتم تسجيل حوار الفيلم كاملا !!، و بالطبع سيتم هذا دون معرفة صاحب الصوت ودون أن يتقاضى أجرا.

قلت لصديقى: يعنى ايه ؟ ندخل بصمة صوت من هنا، يطلع من الناحية التانية تمثيل؟ 

و لم أدرك كيف توصل هذا العبقرى لذلك التفكير، ولكنها نظرية المؤامرة التى يؤمن بها البعض، وربما هى من تأثير أفلام الخيال العلمى.

المهم أننى أكملت الاختبار وجلست أكتب تقريرا عن كل ممثل من المرشحين الثلاث فى كل دور – كما طلبت شركة ديزنى – و معه أرسلنا شريط الاختبار وانتظرنا الرد …..

ولكنه تأخر كثيرا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.