عادل مأمون المطرب الذي ظلمه حبه لـ”محمد عبدالوهاب”

* لم يسمع نصيحة أم كلثوم فأكتوى بنار عبدالوهاب
* آمن به المؤلف الموسيقي عزيز الشوان ولحن له
* كمال الطويل وفريد الأطرش ومنير مراد سبب خلوده
* محمد الموجي الأكثر تعاونا معه من الملحنيين
* عبده الحامولي أعطاه نجومية السينما
كتب : أحمد السماحي
هذا الأسبوع سنتوقف في باب “مظاليم الفن” عند المطرب “عادل مأمون” الذي يمتلك صوت واسع المساحة، عذب النبرات، واضح الصفاء، يستطيع غناء كل الألوان الغنائية بإقتدار، وعرف كيف يخوض بحار الأداء بمهارة ربان ماهر لا توقفه الأنواء والعواصف، وبقدر ما يشجينا هذا الغناء القادر، وهذا الأداء البديع، بقدر ما تبدو مسحة من الألم والحسرة على الظلم الذي أوقعه هذا المطرب على نفسه!.
فالمطرب عاش طول حياته في جلباب الموسيقار “محمد عبدالوهاب”، وكانت التربية ” الوهابية” لصوت “مأمون” واضحة المعالم فى الأداء، خاصة في مساحات القرار، هذا الارتباط أفقد صوته هويته بحيث أصبح من الصعب في كثير من الأحيان التفريق بينه وبين صوت الموسيقار “محمد عبدالوهاب”، حتى أن سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” عندما سمعته في بداياته يغني أغنية لـ”محمد عبدالوهاب” في الإذاعة، وقبل أن تعرف أن هناك مطرب اسمه “عادل مأمون”، ظنت أن “عبدالوهاب” عمل شيئ فى حنجرته، أعادها لعصرها الذهبي!.
وعندما قابلت المطرب الجديد بعدها بفترة قليلة وعرفت أنه “عادل مأمون” وأنه متأثر بصوت أستاذه “محمد عبدالوهاب” قالت له حسب ما أدلى به المطرب فى أحد أحاديثه الإذاعية: تعالى يا منيل .. أسلم عليك، أنا افتكرت لما كنت بسمعك أن “عبدالوهاب” ربنا أكرمه فى حنجرته، وهيرجع ينافسني تاني!.. ياريت تشيل عبدالوهاب من حنجرتك ومن عقلك، عشان يكون عندك شخصية خاصة بيك، وتنجح بلونك، ومحدش يقول عليك انك بتقلد عبدالوهاب”.
لم يسمع “مأمون “نصيحة “الست” وظل صوته وهابيا خالصا، يضاف إلى ذلك فشله فى تجديد الصور الشعرية لأغانيه الغارقة بتكرار الموضوعات والمفردات، إذ أن معظمها يدور حول معان طرحت مئات المرات فى أغنيات شائعة وألحان تمثل ترديدا لألحان أخرى معروفة، مما أفقد غنائه التوهج الذي يصاحب الغناء الجميل المؤثر عندما يقدم جديدا يلامس المشاعر ويستقر في الوجدان.

البدايات
ولد “محمد عادل محمد مأمون جمعه الغول” بمحافظة المنيا في 23 نوفمبر عام 1932 لأسرة محبه للفن والغناء، فالوالد عاشق للغناء ويعزف بمهارة على “القانون”، وبعد فترة رحل الوالد، مما كان له أكبر الأثر في حياة الطفل الصغير، ومنذ صغره اكتشفت أسرته شغفه بالغناء، فبدأ يشترك في الحفلات المدرسية التي ترعاها وزارة المعارف، وذات مرة أعجب الوزير بأدائه على مسرح الأزبكية وتشجيعا على تنمية مواهبه قرر إلحاقه بمعهد الموسيقى كمنحة مجانية، وحصل على دبلوم العزف على الكمان، ولكنه مع ذلك فضل الحصول على شهادة أخرى تعينه على أعباء الحياة، فحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس، وأثناء الدراسة كان مطرب الجامعة الأول.
لم ينطلق صوت عادل مأمون بهذا المستوى من دون مقدمات لأن بدايات صقل صوته وقدراته فى الأداء تعود إلى سنوات التكوين، حيث اكتسب هذه المهارات عبر البدايات التقليدية، عندما عرف فنون النغم وأساليب الغناء خلال التلقين الاعتيادي وتوجهه إلى حفظ الأعمال الغنائية المشهورة، وترديد أعمال التراث خاصة أعمال الموسيقار الكبير ” محمد عبدالوهاب” الذى سيطر على عقله ووجدانه فغنى له “مضناك، لأ مش أنا اللي أبكي، فين طريقك فين، هان الود”، وغيرها.

الإلتحاق بالإذاعة
أثناء دراسته الجامعية كان يغنى فى ملهى “بديعة مصابني” وسمع عنه الموسيقار الكبير “محمد عبدالوهاب”، فذهب إليه مع صديقه الشاعر الكبير “كامل الشناوي”، وأعجب بصوته، خاصة عندما وجده متأثرا به جدا، وطلب منه الالتحاق بالإذاعة، وسمح له بغناء ما يشاء من أغنياته، وبالفعل تم اعتماده فى الإذاعة، ولمع اسم “عادل مأمون” فى بداية الخمسينات، حتى أصبح فى بدايات الستينات من ألمع المطربيين المصريين.
عزيز الشوان
آمن المؤلف الموسيقي “عزيز الشوان” في بداية الخمسينات بصوت “عادل مأمون” فلحن له مجموعة كبيرة من الأغنيات، منها “شوف الدنيا جميلة هنيه”، كلمات إبراهيم رجب، قدمها مع المطربة أسمهانية الصوت “نادية فهمي”، التى قدم معها أيضا “صدقيني”، كلمات” زينب محمد حسن”، كما قدم مع نفس الشاعرة والملحن أغنيتي “انظري” وحبيبي طيف”.

الموجي الأكثر تعاونا
يعتبر الموسيقار محمد الموجي هو أكثر الملحنيين الذين تعاون مع المطرب فقدم له العديد من الأغنيات الناجحة بعضها ما زال يتردد حتى اليوم منها “مش قادر أنسى، إيه حكايتك؟” كلمات محمد حلاوة، “عزيزة” مرسي جميل عزيز، “جايز يكون قلبك حنون، وأنا مجروح جرحين فى القلب” كلمات على مهدى، “إللى بتسألنى عليه” سمير محبوب، “أراهنك”عبد العزيز سلام، “يوم وارتاح” محمد على أحمد.
الطويل سبب خلوده
يعتبر الموسيقار “كمال الطويل” سبب خلوده حيث أعطاه لحن من أجمل الألحان التى غناها المطرب وهو “ياللي سامعني قول يا نور عيني”، كلمات صالح جودت، حيث برزت ملكاته الغنائية في أداء هذه الأغنية، فاللون الغنائي الذى لحنه له “الطويل” من ذلك اللون الذى يعتمد على استعراض مهارات صوت المطرب ومن ثم التركيز على مساحات جواب مع عبور على مناطق ومساحات الصوت الأخرى، لهذا عاش هذا اللحن حتى الآن.
بليغ وفريد ومراد
لم تقتصرأغنيات “مأمون” الجميلة الخالدة على لحن “ياللي سامعني”، فسنجد فى المشوار العديد من الجواهر الغنائية الغالية مثل “ابعد عن الحب وغنيله” كلمات فتحي قوره، ألحان منير مراد، “أنت واحشنى”، فتحى قورة، فريد الأطرش،”عاشت الأسامي”، و “عالى عالى”، يوسف بدروس، ألحان حلمي أمين، “شربات هنايا” زين العابدين عبدالله، سيد مكاوى، “عيش لحبك”، عبدالوهاب محمد، بليغ حمدى، “سؤال واحد” علي مهدي، عبد العظيم محمد.
تنويعات لحنية أخرى
تعاون ” عادل مأمون” مع العديد من الملحنيين الذين قدموا له مجموعة كبيرة من الأغنيات الجميلة الراقية مثل “اسئلني أنا” “كنز الهنا” كلمات مأمون الشناوي، رياض السنباطي، “ليالي النـيل” علي سليمان، النيل أو “الشوق صحاني من النجمة “عبد الفتاح مصطفى، ألحان عبد الحليم نويره، “ليه يا حبيبي تلوع في” كلمات عبد المنعم السباعي، “فرحة العمر” محمد إسماعيل، “هنا في الطريق” عبد الكريم نافع، ألحان محمود كامل، “أنا وذكرياتى”، ” ياورد لاتسل”مرسى جميل عزيز، “خلقـت للهوى” كلمات ابراهيم رجب، “في الليل تنام العيون “مصطفى الريس ألحان على إسماعيل، “عايز أصحى الشوق “نبيل الفكهانى، “صوت مصر” أحمد عثمان المراغى، “الله عليه الله” شريف المنباوى، ألحان عزالدين حسني.

كما غنى أيضا “أضحك على قد ماتقدر” كلمات محمد حلاوة، ألحان يوسف شوقى، “ويا هواك ودينا يا نيل” مأمون الشناوى، محمود الشريف، “اصحى يا قلبي” مصطفى عبد الرحمن، رؤوف ذهني، “نسيتك” محمود نواب، “كلما النور ابتسم” عبد الفتاح مصطفي، ألحان إبراهيم رأفت، الناس شافونى، على مهدى، سليمان فتح الله، “بلدى يابلدى” منير المهدى، “رجعنا الميه لمجاريها”، أبوسمرة، ألحان محمد سلطان، “إبقى افتكرني” محمد عبد المحسن، ألحان عزت الجاهلي، “أهل الهوى” إبراهيم كامل رفعت، ألحان أحمد على، “سوق الأغاني” سيد مرسي، ألحان عطية شراره، “طمن قلبك” إبراهيم سيد أحمد، ألحان مصطفي فتحي، “مش بإيدي يا حبيبي” محمد عطية سالم، ألحان عبد المنعم الحريري.
وبحكم دراسته للموسيقى فقد لحن لنفسه العديد من الأغنيات منها “اد ايه يااغلى حبايبى واحشنّي”، كلمات عبدالعزيز سلام، “حكاية حب” حسين السيد، “أشهد عينيك”، العوضي الوكيل.
ثنائيات غنائية
في مشوار المطرب عادل مأمون مجموعة من الثنائيات الغنائية الجميلة نذكر منها “شوف الدنيا جميلة هنيه” كلمات زينب محمد حسين، ألحان “عزيز الشوان” مع نادية فهمي، ومع نفس المطربة قدم “انت حبي” كلمات محمد جلال، ألحان عبدالحميد توفيق زكي، “الشمس طلعت” كلمات عبدالعزيز سلام، ألحان عطية شرارة مع “ابتسام عبدالعزيز”، “اليوم الجديد” كلمات عبد الفتاح مصطفي، ألحان محمد الموجى، مع سعاد مكاوى، “بنت وولد” كلمات على التركى، ألحان عبدالمنعم الحريرى، بالاشتراك مع هدى زايد.

الكويت وليبيا
كان المطرب من أوائل المطربين الذين انفتحوا على العالم العربي فغنى لمجموعة كبيرة من الشعراء والملحنيين العرب فمن ليبيا غنى “فرحة الصباح” كلمات عمر المزوغي، ألحان أبوعجيلة محمد التى يقول مطلعها :
بان ضي صبح جديد
طلعت شمسه عالية
كل ايامك فرح و عيد
يا بلادي يا غالية
كما غنى أيضا “عش الوفاء” كلمات عبدالسلام قادربوه، ألحان يوسف العالم، ومن الكويت غنى “كلمتني برقة ودلال” كلمات “عبدالمحسن الرفاعي”، ألحان “إبراهيم الصولة”، “لا تقولى عن هوانا / هو أحلى الذكريات”، كلمات “محمد الفايز”، ألحان “عبدالرحمن البعيجان”.

السينما
كعادة السينما المصرية بمجرد أن يلمع مطرب في سماء الأغنية، حتى تجدها تلهث ورائه، لكن يبدو أن مطربنا لم يحب السينما كما أحبته رغم تمتعه بالشكل اللطيف المحبب للكاميرا، فقدم تجارب قليلة جدا تعد على أصابع اليد الواحدة وهى “نساء بلا رجال”، بطولة ماري كويني وهدى سلطان عام 1953 إخراج يوسف شاهين، “ألمظ وعبده الحامولي”، بطولته مع المطربة وردة الجزائرية 1962، و”العزاب الثلاثة” بطولته مع سعاد حسني، وحسن يوسف، وعبدالمنعم إبراهيم 1964.
الرحيل
رحل مطربنا الغالي في سن صغير إلى حد ما حيث توفي في عمر الستين ليرحل عن عالمنا في 25 إبريل 1992 .