رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتى مع ديزنى (4) .. تعبيرات العم عبد الرحمن 

بقلم المخرج المسرحي : عصام السيد

بعد أن انتهيت من مشاهدة فيلم “الأسد الملك” كنت مليئا بمشاعر متضاربة: انبهار شديد بالعمل على مستوى الصورة والتشكيل والرمز والأداء وتقنية تحريك الرسوم، وأيضا غيرة شديدة منبعها لماذا لا ننتج لأطفالنا أعمالا بمثل هذا المستوى؟، و لماذا لا نتعامل مع الطفل العربى بهذه الدرجة من النضوج؟ 

لاحظت أن الفيلم يصلح للجميع أطفالا و كبارا .. من المؤكد أنهم فكروا فى الموضوع بشكل منطقى: لابد للطفل من مرافق كبير ( أب أو أم ) لكى يذهب الى السينما، هذا المرافق سيجلس أيضا ليشاهد الفيلم مع طفله، ولكى نشجع هذا المرافق على مشاهدة طفله للفيلم لابد أن يستمتع هو أيضا ، وبالتالى صنعوا فيلما يمتع الأسرة كلها  بمختلف أعمارها.

وهكذا كانت هناك مستويات متعددة للمشاهدة، ورموزا لا يفهمها الصغار وضعت لمتعة الكبار.. انظروا على سبيل المثال لأغنية “سكار مع الضباع”، إنها توحى للمشاهد على الفور بالتشكيلات العسكرية النازية، فهل هذا سيدركه الطفل؟، بالطبع لا و لكنه مستوى آخر من التلقى يتيح للكبار أن يجدوا متعة فى الفيلم و خطابا أعمق يليق بهم.

…………………….

سلمنى سمير حبيب ملفا كاملا عن الفيلم  أرسلته شركة “والت ديزنى” ، يشمل ملخصا للقصة والهدف من ورائها ووصفا دقيقا  للشخصيات الرئيسية فى الفيلم ونبذة عن كل ممثل أدى دورا، مع سيناريو كامل للفيلم يشمل أيضا الحوار.

أدركت منذ اللحظة الأولى ان شركة ديزنى (ما بتهزرش)، وأنها تتعامل بمنتهى الدقة والاحترافية، و لهذا تُطلع من سيعمل معها على كافة التفاصيل التى تعاونه فى عمله، كما لاحظت وجود فنانين كبار بين العاملين فى الفيلم ليس على مستوى التمثيل فحسب بل لجأوا لأحد اشهر الملحنين الانجليز (إلتون جون) لصياغة الألحان.

واجهتنى صعوبة وحيدة فى ملف ديزنى أنه باللغة الانجليزية، تلك اللغة التى هجرتها منذ أن تخرجت فى منتصف السبعينات من قسم اللغة الانجليزية بكلية التربية جامعة عين شمس، قلت لنفسى: “هربت من انك تطلع مدرس انجليزى؟ أهو الانجليزى وراك وراك مش عاوز يسيبك”، و اضطررت أحيانا إلى اللجوء للقاموس (فلم يكن جوجل قد ظهر فى حياتنا بعد)، وبرغم هذ لا أنكر أن دراستى السابقة أفادتنى بشكل كبير لا يُقدر فى فهم المعانى وخاصة فى التلاعب بالألفاظ وإضمار معانى خفية لبعض الكلمات.

أصابتنى الدهشة عندما قرأت فى الملف أن قصة الفيلم مستوحاة من مسرحية “هاملت” لشكسبير، لم أكن قد لاحظت هذا وأكبرت لشركة ديزنى أن تسجل هذا فى أوراقها الرسمية، فلم يكن أحد ليحاسبها لو لم تفعل، و قارنت بين هذا الموقف و مواقف كثيرة فى عالمنا العربى نسرق فيها أى قصة لتصبح فيلما أو مسرحية ولا نذكر الأصل المستوحى منه العمل، بل ننكر بشدة أن له أصل !! 

كانت الخطوة التالية هى ترجمة حوار الفيلم أولا من الإنجليزية إلى اللغة العربية، ثم إعادة صياغة الحوار بالعامية المصرية، و هى مهمة فى غاية الصعوبة، فالمطلوب فى الحوار العامى أن يكون بنفس معنى الجملة الأصلية، وفى نفس الوقت بنفس الطول الزمنى لها، و أن يتسم بخفة الدم، و(ياريت بنفس تقطيع الجملة الأصلية)، وأبدع عم عبد الرحمن فى الحوار من ناحية التوافق الزمنى ومن ناحية خفة الدم وطزاجة العبارات وحلاوتها :

و لما أنا ابقى الملك، انت هتبقى ايه ؟

هابقى طيشة 

أنا بطاطا تحت رجليك

اسمها بطاطي مش بطاطا

اما ترجمة الأغانى فكانت مشكلة المشكلات، فإلى جانب الحفاظ على المعنى كانت هناك مشكلة كتابة كلام صالح للغناء، على نفس اللحن، له نفس الجرس الموسيقى و يقبل نفس التقسيمات، أو باختصار: ” يسير مع اللحن فى سهولة و يسر”. 

لم أدرك صعوبة الأمر إلا عندما شاهدت جلسة عمل بين عم عبد الرحمن وسمير حبيب امتدت إلى ساعات طويلة وبينهما النسخة الإنجليزية و ريكوردر يسمعان شطرة من أغانى الفيلم ويقلبان فى مئات التعبيرات حتى يصلوا الى مرادهم. و يكتب عم عبد الرحمن جزءا من الأغنية بالعامية ويغنيها مع سمير بمصاحبة الأصل الإنجليزى ليتأكدوا من التوافق، و استغرقت المهمة شهورا، ولكن كانت النتيجة رائعة فلا يمكن أن أنسى صياغات عبد الرحمن شوقى المبتكرة والمدهشة  مثل (هذا هو البهريز الفلسفى)، وفى اعتقادى اليوم بعد كل هذه السنوات أن الصياغة التى صنعها ببراعة ودقة وجمال هذا الرجل المبدع الذى لم يأخذ ما يستحقه من الشهرة هى السبب الرئيسى فى نجاح النسخة العربية.

أما مهمتى أنا فكانت فى ترشيح الممثلين للأدوار الرئيسية، ولكنى فوجئت بطلب غريب من شركة ديزنى: أن أرشح ثلاث ممثلين فى كل دور وأجرى لهم اختبارا حددته الشركة على جمل معينة من الفيلم، وأن أرسل نتيجة الاختبار، وشركة ديزنى هى التى ستختار الممثل الذى يقوم بالدور .

أحسست أن هذا انتقاص من قدرى كمخرج و قررت الانسحاب، و ذهبت لأبلغ سمير بقرارى الذى لا رجعة فيه، تلقى سمير الخبر فى صمت، و كأنه قد أصابه الاجهاد فلم يعد يقوى على المناقشة أو حتى الكلام .

اتصل بى العم عبد الرحمن وقال لى بصوته المميز: عاوز تعتذر ليه يا مجنون؟

قلت له: هما هيخرجوا معايا؟ طلبهم ده معناه انهم مش واثقين فيا.

ضحك عم عبد الرحمن بشدة وقال: و هما يعرفوك منين عشان يثقوا فيك!، ثم أضاف: انا فهمت من سمير ان دى طريقة ديزنى مع كل أفلامهم فى كل اللغات، مش حاجة خاصة بمصر، بكره تروح الاستوديو و تشوف سمير، مايصحش تعمل فى صاحبك كده و كل شوية تتقمص.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.