رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

وفاة مبارك.. والاختبار الصعب

بقلم: محمود حسونة

وفاة حسني مبارك، خبر بمعايير الإعلام الموضوعية التي تدّرس في أكاديميات وكليات الإعلام وحسب المناهج الكلاسيكية والمطوّرة، هو خبر مهم، ينبغي أن تقطع لأجله المحطات التليفزيونية إرسالها لتعلنه لمشاهديها، ولكن ماحدث في مصر كان غير ذلك تماماً، حيث واصلت القنوات المصرية بث مسلسلاتها وبرامجها الاعتيادية، وبعد أن امتلأ الفضاء الإليكتروني بالخبر وتأكيداته وانشغلت به واشتغلت عليه قنوات عالمية، أعلنته المحطات المصرية مكتوباً أسفل الشاشة، على استحياء، وهى تواصل بث الغث من مواد التسلية التي لا تتناسب مع الحدث. 

وبعد أن عرف القاصي والداني بالخبر، أفاقت محطاتنا لتكون في ذيل قائمة من يعلنون الخبر الهام الذي يتعلق بوفاة رئيس حكم مصر على مدى ٣٠عاماً، وقدمته وهى متذبذبة بين أن تكون ضد الرجل أم معه، لتضع نفسها والدولة المصرية في موقف محرج أمام الرأي العام العالمي. 

جميعنا يدرك أنه خبر حساس ويتعلق برئيس قامت ضده ثورة أو انتفاضة – سمّها ما شئت – ولكن الجميع يعلم جيداً أن الرجل لعب دوراً مهماً في تاريخ مصر، بصرف النظر عما يؤخذ عليه من أخطاء، ولم يكن التليفزيون مطالبًا بتبني موقف منه، إنما من أبجديات المهنة التعامل مع الخبر بشكل مجرد، والإعلان عن الوفاة وسرد أهم ما للرئيس الأسبق وما عليه، من دون أي انحياز له أو تجن عليه. 

الخبر فرض نفسه على الجميع، والمحطات والصحف والمواقع العالمية كانت تنتظر التأكيد من التليفزيون المصري، إنما للأسف، ما حدث كان معاكسا لما ينبغي أن يكون، لذا اجتهدت المحطات الخارجية وبحثت عن مصادر أخرى وبدأت تتعامل مع الحدث بعيداً عن القنوات الشرعية الرسمية التي ينبغي أن تكون مصدرًا للجميع. وبعد أن انحازت مصر ممثلة في مؤسسة الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة لحسني مبارك وتاريخه العسكري، لم يكن أمام إعلامنا الرسمي سوى السير في نفس الاتجاه، وانقلب بشكل كامل ليبدأ التغني بالرئيس الأسبق وانجازاته، منحازًا لما له ومستبعداً ما عليه. 

أمر حسن أن يسير الإعلام مع الدولة في طريق واحد، وليس أمامه في مثل ظروفنا وما يحاك لنا من جماعات العنف والإرهاب والتخريب سوى تبني موقف الدولة والتعبير عنه بصورة تقنع الرأي العام، ولكن هناك أخبار تفرض علينا التعامل معها بشكل مهني وموضوعي، وبأسلوب لا يخرج عن السياسة العامة للدولة ولا يضعنا ويضع إعلامنا ودولتنا في مواقف محرجة أمام العالم. 

لا يخفى على أحد انصراف الناس عن الإعلام، ونتحدث كثيراً باحثين عن أسباب ذلك، وهى للأسف واضحة أمام أعيننا ولكننا نعجز عن أن نبصرها، وطالما أننا نعاني هذا العجز فمن الطبيعي ألا نجد دواءً لأمراض الإعلام، ومن الطبيعي أن تنصرف عنه البقية المؤمنة به في المستقبل، ونحن نستمر في البحث عن تشخيص للداء وتحديد الدواء الذي لن يحدد!!

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.