رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

يحيى شاهين .. مهندس النسيج الذي برع في التمثيل

أم كلثوم ترفع أجر (يحيى شاهين) في فيلم (سلامة) دفعة واحدة من مائة وخمسين جنيها إلى ستمائة جنيه

سامي فريد

بقلم الأديب الكبير: سامي فريد

في الفن سر لا نعرفه.. بل إن الفن نفسه هو السر، وإلا فلماذا يلجأ مهندس النسيج الناجح وهو في بداية حياته العملية إلى الفن عند أول إشارة؟!.. أتكلم عن الشاب (يحيى شاهين)، ابن قرية ميت عقبة مركز إمبابة محافظة الجيزة.

في شبابه مع بداية التمثيل
كان يملك ضحكة بسيطة في جدية مطلقة

(يحيى شاهين) يرفض المصروف

نشأ الصبي يراقب الحياة من حوله.. يحب الناس والزرع ويقلد كل ما يراه.. هل يمكن أن تكون هذه هي بدايته الفنية؟ ملاحظة مخلوقات الله لدرجة الحب..

بعد وفاة والد (يحيى شاهين) انتقلت الأسرة إلى عابدين حيث حصل على شهادته الابتدائية ليلتحق بعدها بالمدرسة الثانوية الصناعية في العباسية قسم النسيج ليحصل على دبلومها..

لكن المسألة لم تكن بهذه البساطة بعد أن فقدت الأسرة عائلها تاجر الخيول وحاولت الأم الشجاعة أن تكمل المسيرة من أجل تعليم ابنها.. مشوار من الألم والمعاناة قطعته الأم صابرة في أعمال بسيطة لكن الابن يحيى قرر أن يفعل شيئا ليخفف المعاناةعن أمه.

كانت بداية (يحيى شاهين) عندما رفض ما تعطيه له كمصروف لطعامه ومواصلاته من عابدين إلى العباسية ليقطع المسافة على قدميه ماشيا في البداية.. ثم بشراء من التوفير راكبا دراجة قديمة كلفته ما يقرب من الجنيهات الثلاثة ليقطع بها المسافة بين بيته إلى المدرسة..

ولكن..

مع جليلة في بين القصرين

حيلة (يحيى شاهين)

ماذا ستفعل الأم مع مصروفات المدرسة.. وكتب وكراسات ابنها التلميذ.. وملابسه وأشياء أخرى لها وله.

وقرر الأبن شيئا..

سأل عن مقر وزارة المعارف ليذهب بمفرده دون أن يخطر مخلوقا ثم يتسلل سائلا عن مكتب الوزير..

كانت تلك حيلة (يحيى شاهين) التي ربما استخدم فيها ما وهبه الله من موهبة التمثيل.. كان كلما سأله أحد السعاة أو الموظفين عما يفعله صبي مثله قال إنه ينتظر والده الذي تركه ودخل أحد مكاتب البكوات المسئولين وأوصاه أن ينتظره في مكانه ولا ينتقل حتى يخرج إليه..

كان يقنعهم بهذا فيتركوه حتى خرج الوزير من مكتبه.. وعرف الصبي أنه الوزير.. فعدد كبير من موظفيه يتبعه ويتلقى منه أوامه وسمع أكثر من واحد يخاطبه بكلمة “معاليك”.. و”أوامرك”، وهكذا فاندفع الصبي إليه ليرتمي بين يديه باكيا.. أو مدعيا البكاء وهو ينشج: أنا عاوز اتكلم يا معالي الوزير.. أنا ماليش إلا أمي.. أبويا مات يا معالي الوزير وسابنا.. إحنا ناس فقراء.. أنا تلميذ كويس وناجح والله وحاتحرم من التعليم.. يرضيك كده يا معالي الوزير..

هكذا دون توقف..

السيد أحمد عبدالجواد الدور البصمة في حياة الفنان يحيى شاهين

رسوب التلميذ (يحيى شاهين)

كان الوزير قد توقف.. وتوقف معه الجميع.. ويبدو أن أداء الصبي يحيى كان مقعنا لدرجة أن الوزير في تلك الفترة وكان (حلمي باشا عيسى) التفت خلفه ونادى على سكرتير مكتبه وقد أصدر أوامره: اسمع يا.. خد اسم الولد ده.. ومدرسته وتأكد إنه ناجح أولا..

وبعدين إن لقيته بالفعل ناجح اعمل له قرار جهزه لي بكره الصبح أمضيه بانه يكمل دراسته لحد التخرج على نفقة الوزارة بشرط..

وكان الشرط هو إلغاء القرار عند أول بادرة لرسوب التلميذ (يحيى شاهين).

وقال الوزير وهو يكمل طريقه إلى خارج الوزارة: هيه.. مبسوط يا يحيى؟ اجتهد بقى وإنت حر..

مضى الوزير..

وأكمل التلميذ (يحيى شاهين) مشواره مع التعليم مجانا على نفقة وزارة المعارف حتى تخرجه من المدرسة الصناعية ليلتحق بأحد مصانع المحلة الكبرى للنسيج ليكون مثالا لمهندس النسيج المجتهد الخلوق الذي أحبه

الغريب
من بعض أعماله : سلامةزملائه..

ثم كانت اللحظة الفارقة!

جاءت تسعى إليه عندما اختارته ادارة المصنع للسفر إلى انجلترا ضمن وفد لاستكمال دراسة أحدث أساليب النسيج في العالم..

وكان لابد للمهندس (يحيى شاهين) من لقاء مدير المصنع.. وفي مكتبه لإمضاء بعض الأوراق الضرورية للسفر التقى بالشخصية التي غيرت له حياته بالكامل..

أم كلثوم تختار (يحيى شاهين

كان أحد ضيوف مدير المصنع الفنان (إدمون تويما) وهو ممثل شارك بالعديد من الأدوار في سينما الأبيض والأسود في أدوار الخواجة مع نجيب الريجاني وحسين رياض وأحمد مظهر بعد ذلك وغيرهم..

ويبد أن مظهر الشاب (يحيى شاهين) وصوته وطريقة كلامه قد لفتت انتباه الخواجة الذي قام واقفا يستمع إلى يحيى ويتفرس فيه ليسأله: تحب يا أفندي تشتغل في السينما.. تشتغل في الفن.. تمثل يعني؟!..

نظر (يحيى شاهين) والأوراق في يديه إلى مديره فرآه يبتسم.. فنظر إلى إدمون تويما، وقد أحس أن اللحظة قد جاءته، وأن مستقبله قد بدأ يتحدد ويتغير فقال على الفور والسعادة تتسلل إلى كل كيانه.. طبعا أحب!

فكان الاتفاق مع (تويما) الذي قدمه لأكثر من فرقة مسرحية حتى اختاره المخرج محمد كريم لدور بطولة في فيلم (زينب).

وكانت النقلة الثانية أمام أم كلثوم التي رفضت أن يلعب دور “عبدالرحمن القس” أمامها في فيلم (سلامة)الممثل الكبير حسين صدقي لتفضل عليه الوجه الجديد (نسبيا)(يحيى شاهين)!!

وعن هذا الدور يقول (يحيى شاهين) إنه لم يصدق نفسه ولم يصدق أن (الست) اختارته هو.. ولم يتمالك نفسه وراح يفكر كيف سيمثل أمامها هذا الدور.. بل كيف يمكن أصلا أن يقف مجرد وقوف أمامها..

هذا هو الحب

سألته (الست) عن المبلغ الذي سيتقاضاه عن دوره في الفيلم فقال إنه مائة وخمسين جنيها، فرفضت وطالبته بألا يقل أجره عن ستمائة جنيه، وهو ما كان سيتقاضاه حسين صدقي.. وقد حدث وتقاضي بالفعل ستمائة جنيه.

ثم توالت الأفلام من (لو كنت غني)أمام بشارة يواكيم وأم أحمد وعبدالفتاح القصري ومحمد الديب إلى (سيدة القطار، وخاتم سليمان)أمام ليلى مراد ومن (جعلوني مجرما، والأرض، وشيء من الخوف) إلى (الثلاثية) و(الإخوة الأعداء)أمام نور الشريف ومحيى إسماعيل..

وكان الجميع يحترمون في (يحيى شاهين) التزامه واحترامه لزملائه ودقة مواعيده.

وكان أيضا وهو الإنسان الذي لا ينسى واجبا نحو زميل في زيارة المريض أو المشاركة في عزاء..

ولابد ن نذكر زواجه في بداية حياته من فتاة “مجرية”

الإخوة الأعداء

أنجب منها طفلتين اصطحبتهما معها عند عودتها بعد الطلاق إلى بلادها.. وظل ولابد ن نذكر زواجه في بداية حياته من فتاة (مجرية) حتى مماته حزينا على ابنتيه الغائبتين.. ثم أكرمه الله بآخر بناته “داليا” من زيجته الثانية..

أما آخر ما يمكن أن يقال عن حب (يحيى شاهين) للفن واحترامه له ولنفسه هو ما فكر فيه وبدأ بالفعل في تنفيذه، وهو تكوين فريق عمل فني يحترم الفن ويعمل له باخلاص وقد واقفه على الفكرة محسن سرحان وأكثر من فنان لكن المشروع لم يتم لأسباب كثيرة..

ثم كانت النهاية التي اختارها بنفسه لنفسه يوم كلمه المخرج الكبير جلال الشرقاوي لبطولة مسرحية أصر الشرقاوي على أن دوره فيها لا يؤديه إلا هو..

لكن (يحيى شاهين) وعند أول زيارة لمسرح الشرقاوي سمع ولاحظ اشارات بعض شباب الممثلين الذين سيشاركونه في المسرحية وهم يستنكفون اشتراكه معهم.. وقد أطلقوا عليه لقب الممثل المتجهم وماضي (النكد).. فانسحب يحيى شاهين واعتذر للشرقاوي، ولم يعد للمسرح مطلقا فقد طلق التمثيل والفن بالثلاثة!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.