رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الطبال أعلى صوتا من القانون !

بقلم : محمد حبوشة

الإجراء الحاسم الذي اتخذه أمير الغناء العربي “هاني شاكر” اليوم يستحق الإشادة والتقدير، لأنه حسم الجدل الدائر حول اعتماد من يتعاطون المهرجانات كلون من الغناء بدعوى مواكبة العصر على حد زعمهم ، فهؤلاء “الطبالين” الذين علا صوتهم طوال السابيع القليلة السابقة على “صوت القانون”، وهنا لا أقصد علو صوت إحدى الآلتين المهمتين في التخت الشرقي على الأخرى، بل أقصد ذلك القانون الذي يحكم العلاقة بين الغث والثمين في الغناء، بعدما صار الضجيج لغة الشارع المصري على أثر مهرجانات الرزيلة والمخدرات والبلطجة.

لقد جاء بيان النقابة بعد البيان التي أصدرته في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد 16 فبراير، ليثلج صدور عشاق الطرب الشرقي الأصيل في أعقاب حالة النشاز الأخلاقي قبل الغنائي من جانب المدعوين “حسن شاكوش وعمر كمال” في أثناء حفلهما باستاد القاهرة مؤخرا، ليوقف حالة الفوضى الغنائية التي تهدد الذوق العام بالانهيار.

وطبقا لتصريح المتحدث الرسمي لنقابة المهن الموسيقية “طارق مرتضى”، فإن لجنة العمل بالنقابة برئاسة “منصور هندي” أرسلت أسماء مطربي المهرجانات، إلى كافة المنشآت السياحية والفنادق لمنعهم من إحياء حفلات بها، موضحًا بأن أجهزة الدولة تكاتفت مع القرار لتطبيقه، وهذا في حد ذاته قرار رادع يكفل لنا حماية آذاننا والحد من غثاء السيل الذي نسمعه يوميا.

وأهم ما جاء في البيان أن “مرتضى” كشف النقاب عن حالة التباس لدى الجمهور حول تصريحات النقيب “هاني شاكر” بشأن قبول حسن شاكوش بنقابة الموسيقيين حيث تم فهمها بطريقة خاطئة، فكان المقصود بأنه نجح في لجنة الاختبار كخطوة أولى، ولكن القرار الأخير يكون لمجلس النقابة الذي له الحق في التعديل عليه – أي أن قبوله لم يتم بصورة أو بأخرى حتى الآن – مشددا على أن النقابة تراجع حاليا كافة تصاريح العمل في النقابة، منوها بأن ما يتردد عن وجود شعبة للمهرجانات داخل النقابة ليس له أساسا من الصحة، وتلك النقطة جوهرية لأن قرار إنشاء هذه الشعبة المزعومة كان قد أغضب الشارع كثيرا.

الأمر الآخر الملفت للنظر في بيان نقابة الموسيقيين تشديده على أن مطربي المهرجانات مثل حسن شاكوش وحمو بيكا لا يمكن مخالفتهم لقرار النقابة بشأن منعهم من إحياء الحفلات، ونفس الأمر ينطبق على الفنان “محمد رمضان” الذي ليس عضوا بالنقابة، وفي هذا الصدد لن يتم منح تصاريح مرة أخرى لهذا النوع من الحفلات التي تسيئ للغناء المصري في عالمنا العربي الذي أصبح يرى الغناء في مصر على شاكلة هؤلاء الغربان الذين يعيثون فسادا في ساحة الغناء.

ولقد أعجبني جدا هذا الجزء من نص البيان الذي قال فيه الفنان الكبير “هاني شاكر”: “إنه في إطار الجدل المجتمعي الحاصل على الساحة المصرية ووجود شبه اتفاق بين كل طوائف المجتمع على الحالة السيئة التي باتت تهدد الفن والثقافة العامة بسبب ما يسمى بأغاني المهرجانات، والتي هي نوع من أنواع موسيقى وإيقاعات الزار وكلمات موحية ترسخ لعادات وإيحاءات غير أخلاقية في كثير منه، وقد أفرزت هذه المهرجانات ما يسمى بمستمعي الغريزة وأصبح مؤدي المهرجان هو الأب الشرعي لهذا الانحدار الفني والأخلاقي، وقد أغرت حالة التردي هذه بعض نجوم السينما في المساهمة الفعالة والقوية في هذا الإسفاف، فإنه بات من الضروري إعادة النظر في كافة تصاريح الغناء.

ومن أجل ذلك فقد وضعت النقابة شروطا ملزمة للعضوية أو تصاريح النقابة بالغناء مؤكدة أن ليست قوامها صلاحية الصوت فقط، ولكن أيضا هناك شروطا عامة يتوجب أن تتوافر في طالب العضوية أو التصريح وهي الالتزام بالقيم العليا للمجتمع والعرف الأخلاقي واختيار الكلمات، التي لا تحض على رزيلة أو عادات سيئة وأن لجنة اختبار الأصوات مجرد مرحلة أولى ثم ينعقد المجلس للنظر في باقي الشروط.

وهذا كفيل بوضع أسس جديدة من شأنها الارتقاء بفن الغناء المصري الذي عانى كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية عندما انتشرت الأغاني الشعبية المسفة التي تخاطب الغرائز وتحض على تعاطي المخدرات، وترسخ للعنف والبلطجة وتستخدم الإيحاءات الجنسية كنوع من الاسقاط بطريقة كوميدية سخيفة، حتى غدا شباب اليوم يرددونها على سبيل النكتة وكنوع من التمرد على قيم المجتمع، غير عابئين بآثارها الوخيمة على نفوس أطفالنا الذين يقلدون تقليدا أعمى، والأخطر من كل ذلك أن هؤلاء الأطفال يتصورن أن هذه النوعية الرديئة هى التي تعبر عن الغناء المصري الحالي.

وللاسف الشديد فإنه فى الآونة الأخيرة امتدت سجادة “الرداءة الغنائية” التي نعيش فيها منذ فترة، وجاءت معظم الكلمات والألحان والأصوات  التي نسمعها يوميا كي تغرقنا في مستنقع التدني والابتذال، على أثر كلمات وأسماء مغنين ما أنزل الله بها من سلطان، حتى أصبح نمط الغناء في مصر موجه فقط لطبقة الصنايعية من العامة والدهماء، في ظل ما تعيشه الأغنية في الوقت الراهن من ابتذال وتحول جعلها تتراجع ذوقيا وأخلاقيا، ليثار التسؤال حول حدود العلاقة بين الفن والأخلاق وطبيعة الخيط الناظم بينهما، حتى جاء بيان النقابة شافيا كافيا لإيقاف حالة العبث الغنائي الذي يهدم ولا يبني في وقت تتطلع فيه الدولة لمزيد من الإنجازات التي ترفع المعاناة عن الناس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.