رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حين أبدعت “هند صبرى” في غرفة عزل “الفيل الأزرق”

كتب: مروان محمد

تبدو “هند صبرى” في فيلم الفيل الأزرق من بين قلة من الممثلون الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم، فبدا من الصعب فصل موهبة الممثل عندها عن إبداعها الشخصي، فالتمثيل في النهاية عندها فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، وها هى تبدع في مشهد لقائها مع الطبيبان “يحيى ورياض” والذي يعتبر الـ “ماستر سين” في الفيلم بصفة عامة، كما جاء على النحو التالي:

فريدة تبدو متكومة في اقصى يمين غرفة العزل
تهم بالاقتراب من الدكتور يحيى لتحكي له قصتها
تنتبه لدخول الدكتور يحيى فور جلوسه أمامها على الكرسي

يدخل الطبيبان “يحيى” الذي يجسده “كريم عبد العزيز” بأسلوب السهل المتتنع، و”رياض” الذي يلعب دوره “إياد نصار” بتكنيك خاص في التعقيد النفسي، على “فريدة” التي أبدعت في أداء دورها “هند صبرى” التي دخلت بنعومة تحت جلد الشخصية وتقمصت دور المختلة عقليا، يدخلان عليها في غرفة العزل، يبدو “رياض” متحفزا ومتشككا في أن ينتزع يحيى اعترافاتها بقتل صديقتها في تلك الليلة، الموسيقى هادئة جدا، لكنك تشعر فيه بقدر من الحذروالاضطراب فيها، يخلع “يحيى” نظارته الشمسية في لحظة ترقب لفريدة، تلك القابعة في ركن قصي في الطرف الأيمن من الغرفة، في حالة من السكون والصمت الموحش.

يجلس “يحيى” على الكرسي بينما يدق “رياض” الزجاج العازل في محاولة للفت انتباه فريدة بوجدهما، وينادي عليها: فريدة .. دكتور يحيى راشد، تلتفت إليهما و”رياض” قائلا لها : اتفضلي قوليله إيه اللي حصل في العنبر، تدخل الكاميرا بزووم على وجه فريدة، وهى مطبقة بكلتا يديها على صدرها كقطة خائفة، تقترب أكثر فأكثر من الباب الزجاجي، ثم تقف في حالة من الثبات أشبة بتمثال من الرخام الأبيض موجهة حديثها ليحيى قائلة : كان المفروض نتقابل من زمان.

كان يوم برد وأنا باشتري مرايا مع مراتك
ماسألتش ماما ياكتور انته مش شبه بابا ليه
تلتصق بالزجاج العازل متمتمة بكلمات نفسي اشوفهم أشم ريحتهم

يرد يحيى: معلش مش واخد بالي.. انتي تعرفيني، فتهز رأسها فيما يعني نعم: لبنى مراتك، كانت صحبتي .. سنين ، ثم تتراجع بها الكاميرا إلى الخلف وهى تقول “بس ما بقناش” مديرة وجهها وتعود إلى مكانها بخطى وئيدة، فيواجه يحيى لها السؤال: فريدة ممكن أساعدك ازاي؟.. طيب ممكن تحكيلنا عن ليلة الجريمة، يهتز جسدها في حركة انفعالية تستند بعدها إلى الحائط، بينما الكاميرا تركز على وجهي الطبيبان “يحيى ورياض” وهما يرقبان حركاتها في صمت.

تجيب فريدة : كان يوم برد .. وبصوت متهدج من كثرة التعب: كنت باشتري مرايا .. نزلنا مع بعض، تحاول أن تغمض عينيها وهى تقول : كان عندي أرق فظيع، وتدير رأسها نحو الحائط وهى معصوبة اليدين قائلة : وبعدها نمت..تخبط رأسها في الحائط وهى تتمتم بكلمة “نمت .. نمت”، وتواصل حديثها : صحيت لقين نفسي قافلة على نفسي الأوضة، وإيدى كلها دم .. دم .. رجلى كلها دم .. فتحت الأوضة ومشيت ورا خطواتي لقيت الدم واصل لحد جثة ليلى .. ليلى كانت مدبوحة على سريرها.

نظرة تفاعل مشوبة بالتفاعل من جان يحيى لفريدة
نظرة حادة جدا من رياض قائلا فريدة إحنا جربنا ده مع ناس كتير قبلك
تتأهب للرد على رياض فور اتهامه لها بالمراوغة

تدخل في حالة انفعال شديد وبصوت مشوب بالحشرجة: أنا ما قتلتهمش ثم يزداد الصوت علو تصحبها حالة من النحيب : أنا ماقتلتهمش.. ماقتلتهمش.. ماقتلتهمش، تتجه الكاميرا لرد فعل “يحيى” الذي يبدو على وجهه علامات التأثر الشديد، بينما رياض ينظر نطرة تنمر واستنكار لحديثها الذ ي يشكك فيه طوال الوقت في كل مرة كان يلتقي بها في نفس الغرفة من قبل، ومن جانبها تتجه فريدة ليحيى راجية : طيب هات لي حاجة منهم .. نفسي أشوفهم .. نفسي أشمهم، وتبكي في حسرة وأسى مرددة : مالحقتهمش ويتوراي صوتها شيئا فشيئا، بينما يوجه “رياض” حديثه مستنكرا أقوالها ومضيفا : اللي بتعمليه ده شوفنا منه كتير، وبقتلك زميلتك احمتالية الإعدام لم تعد بعيدة، تجلس فريدة بحركات بطيئة للغاية كأنها تحمل جبلا على كتفها، ونظرات الحيرة توجهها نحو “يحيى ورياض: وتنهى المشهد بطريقة استنكارية ذكية، موجهة كلامها لرياض: “مسألتش ماما يادكتور مطلعتش شبه بابا ليه؟ .. لا ولا حتى خالك”، يضحك رياض ضحكة سخرية مكتومة، وينهى المشهد موجها كلامه ليحيى : عاوزك يادكتور وعلى أثر ذلك يخرجان من الغرفة، وهما يتركانها في حالة من السكون الص يسبق عاصفة الانفعال التي تنتابها من حين لآخر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.